هذا لون آخر من مواساة الله لنبيّه محمد صلىاللهعليهوسلم عما ألّم به من حزن بسبب إعراض قومه عن رسالته ، فإذا كان الناس صنفين : صنف يختار الهداية ، وصنف يختار الضّلالة ، أبان الله تعالى هنا في الآية الأولى : (إِنَّما يَسْتَجِيبُ ..) أن الصنف الأول هم الذين يسمعون الدلائل والبيّنات سماع تدبّر وفهم ، وأن الصنف الثاني لا يفقهون ولا يسمعون ، وإنما هم كالأموات. فلا تحفل أيها النّبي بمن أعرض عنك وعن دعوتك لتوحيد ربّك والإقرار بنبوّتك ، فإنما يستجيب لداعي الإيمان الذين يسمعون الآيات سماع تعقّل وتفهم ويتلقّون البراهين بالقبول. أما الكفار غير المؤمنين ، فهم كالموتى في الصّمم عن وعي كلمات الله ، والعمى عن نور الله ، لا يفقهون قولا ، ولا يفكرون تفكيرا صحيحا فيما أنزل الله ، أي إنهم موتى القلوب ، يشبهون موتى الأجساد.
هذا مع العلم بأن الله قادر على كل شيء ، فكما أنه قادر على بعث الموتى من القبور يوم القيامة ، والرجوع إليه للجزاء ، هو سبحانه قادر على إحياء قلوب الجاحدين بالإيمان ، وأنت أيها النّبي لا تقدر على هدايتهم. لكنهم ـ أي هؤلاء المشركين ـ قوم معاندون يرفضون دعوة الحقّ القرآني كبرا وحسدا وعنادا. ومن مظاهر عنادهم : مطالبتهم بإنزال آية مادّية محسوسة من السماء ، خارقة للعادة على النّبي محمد صلىاللهعليهوسلم كعصا موسى ، ومائدة عيسى ، وملك يشهد له ، وتفجير الينابيع ، وإنشاء البساتين أو الإتيان بكنز ، أو غير ذلك من الشّطط ، ولكن أكثر هؤلاء الكفار لا يعلمون أن الله قادر على أن ينزل تلك الآية ، ولكن حكمته اقتضت الامتناع من إنزالها ؛ لأنها لو نزلت ولم يؤمنوا لعوجلوا بالعذاب ، فإنزال آية ماديّة مما اقترحوا يكون سببا في هلاكهم إن لم يؤمنوا.
ثم نبّه الله سبحانه على قدرته وعلى آيات الله الموجودة في أنواع مخلوقاته ، لمن شاء