أن يتأمل ، ويريد الاستدلال على عظمة الله ومقدرته في كل شيء ، فالله قادر بسهولة على أن ينزل آية ، لكن عدم إنزالها لحكمة لا تعلمون وجهها ، وإنما يحيل الله على الآيات الموجودة لمن فكر واعتبر ، كالدّواب والطّير وهي أمم ، أي جماعات مماثلة للناس في الخلق والرزق والحياة والموت والحشر ، والله تعالى يدبرها ويرعى شأنها ويحسن إليها ، فإذا كان الله يفعل هذا بالبهائم ، فأنتم أحرى إذ أنتم مكلفون عقلاء.
ولم يترك الله شيئا أبدا إلا ذكره في الكتاب : وهو اللوح المحفوظ : وهو شيء مخلوق في عالم الغيب دوّن فيه كل ما كان وما سيكون من مقادير الخلق إلى يوم القيامة ، فهذا دليل آخر على إحاطة علم الله بكل شيء ، وجد أو سيوجد لحكمة يعلمها ، ثم يبعث الله جميع تلك الأمم من الناس والحيوان ويجمعها إليه يوم القيامة ، ويجازي كلّا منها ، أفليس في هذا الحشر ما يدلّ على قدرته تعالى ووحدانيته؟! وإذا كان ما من دابّة ولا طائر ولا شيء إلا وفيه آية دالّة على قدرة الله ووحدانيته ، فهلا تؤمنوا! ولكن الكافرين الذين كذبوا بآيات الله صمّ وبكم لا يتلقون ذلك ولا يقبلونه ، ولا يسمعون دعوة الحقّ والهدى سماع قبول ، ولا ينطقون بما عرفوا من الحق ، وهم يتخبّطون في ظلمات الشّرك والوثنية وعادات الجاهلية القبيحة والجهل والأميّة ، فكيف يهتدون إلى الطريق الصحيح؟ والله هو المتصرّف في شؤون خلقه ، ويعلم حال كل مخلوق ، فمن يشأ الله إضلاله أضلّه ولم يلطف به ؛ لأنه ليس أهلا للطف ، ومن يشأ هدايته وفّقه وهداه إلى الصراط المستقيم : وهو الإسلام ، لأنه من أهل اللطف ، فيكون معيار الهداية والإضلال بما علم الله أزلا من استعدادات المخلوقات للخير والحق أو الشّر والباطل. ذلك حكم الله ومشيئته في خلقه.