ولو أشرك هؤلاء المهتدون بربّهم ، مع فضلهم وارتفاع درجاتهم ، لبطل أجر عملهم كغيرهم في إحباط أعمالهم ، أي تلفها وذهابها لسوء غلب عليها. وهذا غاية العدل وإحقاق الحقّ في محاربة الشّرك والمشركين.
أولئك المذكورون من الأنبياء السابقين ، رسالتهم واحدة وهي الدعوة إلى توحيد الله تعالى ، وقد آتاهم الله الكتب السماوية وهي الصّحف والتوراة والإنجيل والزّبور ، وأعطاهم الله الحكم أي الحكمة وهي الفطنة والفقه في دين الله والعلم النافع ، ومنحهم ربّهم النّبوة : وهي إنزال الوحي عليهم لتبليغ أمر الله ودينه ، فإن يكفر بالكتاب والحكم والنّبوة هؤلاء المشركون من أهل مكة ، فقد وكّل الله برعايتها والإيمان بها قوما كراما ليسوا بها بكافرين ، آمنوا بها وعملوا بأحكامها ودعوا الناس إليها.
أولئك الأنبياء ومن معهم من المؤمنين المهديين هم الذين هداهم الله ، فاقتد بهم ، أيها النّبي الرّسول واتّبع آثارهم في القول والفعل والسّيرة ، وأمر الرسول باتّباع الأنبياء أمر لأمّته ، وقل أيها النّبي لمن أرسلناك إليهم : لا أطلب على تبليغ القرآن أجرا من مال ولا غيره من المنافع الخاصة ، وما هذا القرآن إلا تذكير وموعظة للعالمين من الإنس والجنّ ، وإرشاد وهدى للمتّقين.
إثبات ظاهرة الوحي للأنبياء
ظاهرة الوحي للأنبياء والرّسل على ممرّ التاريخ حقيقة واضحة ملموسة ، كان يشاهدها الأصحاب والأتباع أمام أعينهم ، ويسهل التصديق بوجود الوحي على كل من عرف قدرة الله على إيجاد الأشياء وخلقها ، فليس الوحي مجرد أوهام ، أو تقمّصات روحانية ، أو وساوس شيطانية ؛ لأن هذه الأحوال لا ثبات لها ، ولا تنتج