ظنهم أن ترك الله لهم دليل على رضاه بحالهم. فتكذيبهم وتكذيب من قبلهم لا أساس له من العلم والعقل ؛ لأنهم كذبوا الرّسل ، ولو كان قولهم صحيحا لما عاقبهم الله تعالى على كفرهم ؛ لأن الله عادل. والله سبحانه أذاقهم بأسه ، أي عذابه بناء على اختيارهم وإرادتهم ، وإن كان كل شيء لا يقع في الكون إلا بإرادة الله ومشيئته.
ثم أمر الله نبيّه أن يطالبهم بالبرهان على ما زعموا بقوله : (قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا ..) أي هل لديكم أمر معلوم وبرهان واضح يصحّ الاحتجاج به فيما قلتم ، فتظهرونه وتبيّنونه لنا لنفهمه. وحقيقة حالهم هي أنه لا حجة ولا برهان على ما يقولون ، وما يتّبعون إلا الوهم والخيال والاعتقاد الفاسد ، وما هم إلا يكذبون على الله فيما ادّعوه.
ثم أورد الله تعالى الدليل القاطع على الدين الحق بقوله : (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) والمعنى : قل أيها الرّسول لهؤلاء المشركين الجاهلين بعد بطلان حجتهم : لله تعالى الحجة الكاملة على ما أراد من إثبات الحقائق وإبطال الباطل ، وحجته بالغة غاية المقصد في الأمر المحتجّ به ، فإن مشيئة الله تعالى لا تعني رضاه عن أعمالهم ، والله بيّن الآيات ، وأيّد الرّسل بالمعجزات ، وألزم أمره كل مكلف ، وإرادته وعلمه وكلامه غيب لا يطلع عليه أحدا إلا من ارتضى من رسول ، وليس الإنسان مجبرا على الإيمان أو الكفر والمعصية ، وإنما هو بنفسه الذي يختار عمله ومنهاجه ، ولو كان المكلف مجبرا لما اقتضى العدل الإلهي تكليفه بشيء ، وإثابته وعقابه في الآخرة. والله قادر على هداية الناس أجمعين.
ومن أدلة إبطال تذرّع المشركين بشبهتهم : مطالبتهم بأن يأتوا بشهود يشهدون على صحة ما يدّعونه من تحريم الله هذه المحرمات ، وهذا هو قوله تعالى : (قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ) أي أحضروا شهداءكم الذين يشهدون لكم عن عيان أن الله حرّم عليكم هذا الذي زعمتم تحريمه وكذبتم وافتريتم على الله فيه.