القائم بالحق ، الثابت الأصول ، القائم على التزام ملّة إبراهيم الخليل عليهالسلام الذي كان مائلا عن جميع أنواع الشّرك والضلالة إلى ملّة التوحيد الخالص ، ولم يكن يوما من الأيام من زمرة المشركين المنحرفين ، كما قال الله سبحانه في آية أخرى : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) [البقرة : ٢ / ١٣٠] وقال عزوجل : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً) (١) (قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٠)) [النّحل : ١٦ / ١٢٠]. أي لم يكن أبدا من المشركين ، وإنما كان مؤمنا بالله ، موحدا إياه ، مخلصا له عبادته.
ثم أمر الله نبيّه أن يخبر المشركين الذين يعبدون غير الله ، ويذبحون لغير اسمه : بأنه مخالف لهم في ذلك كله ، فإن صلاته لله ، ونسكه أي الذبائح والعبادة وأداء شعائر الحج وغيرها كله لله ، والمعنى : إن مقصده في صلاته وطاعته في ذبيحة وغيرها ، وتصرفه مدة حياته ، وحاله من الإخلاص والإيمان عند مماته ، إنما هو لله عزوجل ، وإرادة وجهه وطلب رضاه ، فإن عاش فلله ، وإن جاهد فلله ، وإن صلّى وحجّ واعتمر فلله ، وإن مات فلله ، له الحكم وله الأمر ، وبيده مقاليد أمور الخلائق والعوالم كلها.
وفي هذا إرشاد للمؤمنين وإلزام بالتّأسي به ، حتى يلتزموا في جميع أعمالهم قصد وجه الله عزوجل. والله واحد لا شريك له في ذاته ولا في صفاته ولا في ربوبيته ، فله العبادة وحده ، والتشريع منه وحده ، بذلك أمر الله ربّي ، ويقول الرسول صلىاللهعليهوسلم بأمر الله عن نفسه : وأنا أول المسلمين ، أي الخاضعين المنقادين إلى امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه ، هذا إثبات لتوحيد الألوهية.
ثم أعقبه بتوحيد الرّبوبية ، فقال تعالى : (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا ..) أي أغير الله أطلب ربّا سواه ، مع أنه هو مالك كل شيء ، خلقه ودبّره ، وهو مصدر النفع ومنع الضّر ، فكيف أجعل مخلوقا آخر ربّي؟!
__________________
(١) رجلا جامعا للخير كله.