وما من عمل يكسبه الإنسان إلا عليه جزاؤه دون غيره ، ولا تتحمل نفس حاملة حمل نفس أخرى وثقلها ، فكل إنسان مجزي بعمله : (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) [الطّور : ٥٢ / ٢١] وسيجزي كل عامل بما عمل ، إن خيرا فخير ، وإن شرّا فشرّ ، والرجوع في نهاية المصير من الذين يلقبون أنفسهم بالحنفاء إلى الله وحده دون غيره ، فهو الذي يخبركم بجميع أحوال اختلاف الناس في الدين والمعاش ، ومجازيكم عليه بحسب علمه وإرادته ، ويعلّمكم أن العقاب على الاعوجاج تبيين لموضع الحق.
ثم فتح الله للناس ميدان العمل ، مطلقا لهم الحرية والخلافة في الأرض ، يخلف بعضهم بعضا فيها ، بعد إهلاك جيل وإحياء جيل آخر ، وهم متمايزون يرفع الله بعضهم فوق بعض درجات في الغنى والفقر ، والشّرف والجاه ، والعلم والجهل ، والخلق والشكل ، والعقل والرزق ، لاختبار الناس في مواهبهم وما أعطاهم الله ، وبعد هذا الإفساح في ميدان العمل ، والحضّ على الاستباق إلى الخير ، توعّد الله ووعد ، تخويفا منه وترجية ، فالله سريع العقاب إما في الدنيا وإما في الآخرة ، وكل آت يحكم عليه بالقرب ويوصف به ، وإن الله غفور لمن أذنب وأراد التوبة ، رحيم بالعباد.