إن للوقت قيمة كبري وأهمية عظمي ، والأجيال المتلاحقة تشغل فترة من التاريخ والزمن المحدّد لها والمقدّر لوجودها وأعمالها ، فلكل أمة أي قرن وجيل ، ولكل فرد وشيء في الوجود أجل محدد معلوم ، وهو الوقت الذي قدره الله تعالى لكل كائن حيّ ، فإذا انقضى هذا الوقت ، وانتهى هذا الأجل المقدّر للأمم والأفراد ، انطوت صفحات الأعمال ، ولا يتأخّرون عن الأجل ساعة أو أقل ، ولا يتقدّمون عنها بساعة وأقل منها.
وإن عزّة الأمم وسعادتها ، وخلود تاريخ الرجال أو النّساء مرتبط بامتثال شرع الله والتّمسك بالفضيلة ، والبعد عن الفاحشة والرذيلة. وشقاء الأمم ونكبتها وطي صفحة أبنائها يكون بالبعد عن أوامر الله ودينه ، والانغماس في المنكرات ، واقتراف جرائم الغش والرشوة والفساد والإسراف والظلم ، والتخريب السّري أو العلني.
وإذا كانت الأمم المعاصرة قد تقدّمت فبسبب إصلاح شؤون حياتها ، وإذا كانت الأمة الإسلامية متخلّفة فبسبب بعدها عن شرائع ربّها ، ومن أخصّها الوحدة والبناء والعمل والتّخطيط والحزم وضبط الموارد وصرفها في أولويات الحياة العزيزة الكريمة. وأمّتنا هي أولى الأمم بالتمسك بالمثل العليا والقيم الكريمة ، لأن دينها يأمرها بذلك. والله بهذه الآية (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ) يهدّد ويوعد كل من يخالف الأمر ويسير على غير هدى من الله.
وهداية الله تعالى تتمثّل في الكتب المنزلة والرّسل المرسلة ، وقوله تعالى : (يا بَنِي آدَمَ) خطاب لجميع العالم ، وهو إنذار وتحذير للبشر ، فإن أتاكم أيها الناس رسل من جنسكم يخبرونكم بما أوجبته عليكم وما شرعته لكم من نظم العبادة والمعاملة والأخلاق ، وما نهيتكم عنه من الشّرك وقبائح الأفعال ، فأنتم حينئذ فريقان :
فمن اتّقى الله وأصلح العمل ، وترك الحرام وفعل الطاعات ، والتزم الفضيلة