وجعلناه هدى وإنقاذا من الضلالة ، ورحمة سابغة لمن يؤمن به ، ويعمل بأحكامه. أما غير المؤمنين به فلا ينتفعون منه بشيء.
أوضح هذا القرآن أصول الدين ، وندّد بالشّرك والوثنية ، ووضع الأنظمة الصالحة للبشر ، وحضّ على البناء والعمل ، والتقدم والتحضّر ، بدفع العقول والأفكار للتفكير والإنجاز ، وذمّ التقليد وتوارث الأنظمة والمعتقدات من غير بحث ولا نظر ، ولا تمحيص في آيات الله الكثيرة.
هل ينظرون؟ أي أما ينتظر هؤلاء الكفار إلا تأويل القرآن وإنجاز ما جاء فيه ومآل الحال في هذا الدين وما دعوا إليه وما صدّوهم عنه ، وهم يعتقدون مآله جميلا لهم ، فأخبر الله أن مآله يوم يأتي ، يقع معه ندمهم ، ويقولون تأسّفا على ما فاتهم من الإيمان : لقد صدقت الرّسل وجاؤوا بالحق.
يقول الذين جعلوا القرآن كالمنسي المتروك : قد جاءت رسل ربّنا بالحق ، أي صدقوا في كل ما قالوا ، وصحّ أنهم جاؤوا بالحق ، وظهر أنه متحقق ثابت ، ولكنا نحن الذين أعرضنا عنه ، فجوزينا هذا الجزاء.
وأصبحوا يتمنّون الخلاص بكل ما يمكن من أحد أمرين : إما شفاعة الشافعين ، وإما الرجوع إلى الدنيا لإصلاح العمل ، وتجديد السلوك والمنهج الذي يرضي الله تعالى.
والسبب في تمنّي الشفعاء : هو أن هؤلاء الكفار تذكروا أساس الشرك المغلوط ، وهو أن النّجاة عند الله إنما تكون بوساطة الشفعاء ، فحينما أفلسوا وعرفوا أن النّجاة بالإيمان والعمل الصالح الذي أوضحه القرآن وهو أداء الفرائض وترك المحظورات ، حينما أفلسوا تمنّوا الرجوع إلى الدنيا ليعملوا بما أمر به الرّسل غير عملهم السابق ، كما قال الله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا