المفروض هو توجّه التكليف إلى المجموع من حيث المجموع لا إلى البعض ، وعندئذ كيف يسقط عن المجموع بفعل الواحد أوّلاً وعدم إمكان اشتراك المجموع في كثير من الواجبات الكفائية كغسل الميت ومواراته ثانياً؟
نعم يمكن إصلاح تلك النظرية ببيان آخر بأن يقال : انّ الفرق بين الواجبات العينية والكفائية هو انّ الأوّل يتعلّق بذوات الأفراد فكلّ فرد محكوم بحكم خاص غير حكم الفرد الآخر ، وأمّا الواجبات الكفائية فهي عبارة عن الأحكام التي تتعلّق بالأُمة وبالمجتمع ، فالمولى يطلب من المجتمع إقامة النظام وجهاد العدو ، وتجهيز الميّت والقضاء بين الناس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإذا كان المسؤول هو المجتمع فيجب عليهم تنظيم الأُمور من خلال تقسيم الوظائف فيما بينهم.
وهذه النظرية قريبة من النظرية الأُولى ، فانّ الأُولى تركّز على تعلّق الأحكام بذوات الأفراد ، وأمّا هذه النظرية فهي تركِّز على تعلّق الأحكام بذات المجتمع والأُمّة ، ومن الواضح انّ واقع الأُمّة بواقعية أفرادها ، نعم في مقام تعلّق الأمر يظهر التغاير بين الموضوعين.
وممّا يدلّ على إتقان تلك النظرية أنّ القرآن يخاطب الأُمّة مكان مخاطبة الأفراد ويقول : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمّة أُخرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر ). (١)
وفي آية أُخرى تعدّ إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من وظائف الأُمّة المتمكنة لا الفرد المتمكن ، ويقول : ( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاة وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَللّهِ عاقِبَةُ
__________________
١. آل عمران : ١١٠.