يصير ارتفاعها سبباً لتحقّقه ، بل المانع عن تحقّقه وتأثير ملاكه فيه ، هو أقوائية ملاك الحرمة ( أعني : المفسدة الداعية إلى جعلها ) من ملاك الوجوب ( أعني المصلحة الباعثة نحو الإيجاب ) فمادامت المفسدة باقية على قوتها لا مجال لتأثير ملاك الوجوب وإن كان هنا مانع عن فعلية الحرمة أيضاً. (١)
قلت : هذا ما ذكره السيّد المحقّق البروجردي لكن وجود المفسدة الأقوى من مصلحة الواجب ( كالصلاة ) عند الاضطرار أوّل الكلام ، لأنّ العلم بالملاك رهن وجود الحكم وفعليته ، ومع عدم الفعلية كما هو المفروض كيف نستكشف وجود المفسدة الأُقوى من مصلحة الواجب.
مثلاً انّ التصرف في مال الغير أمر قبيح عقلاً ، لأنّه يعدّ من شقوق الظلم والتعدي على حقوقه وأمواله ، ومن المعلوم أنّ استقلال العقل بقبح التصرف بمال الغير محدّد بصورة الاختيار ، والمفروض انّه مضطر غير مختار ، بل فُرِض عليه التصرف في مال الغير فيكون عمله فاقداً للمفسدة ولو كان هناك ذمّ أو عقاب فإنّما لحامله على الحرام.
ثمّ إنّ المحقّق البروجردي قاس المقام بالخمر الذي اضطرّ إلى شربه فكما أنّ ارتفاع حرمته لا يصير شربه راجحاً أو واجباً ، فهكذا المقام.
فقال : مثلاً انّ الخمر مع كونه ذا مصلحة ومنفعة ، لكن لما كانت مفسدته راجحة ، وإثمه أكبر من نفعه ، صار حراماً لغلبة الملاك فلو فرضنا الاضطرار إلى شربه لمرض أو شبهه وارتفع الخطاب لأجله ، فلا يصير راجحاً أو واجباً بمجرده.
نعم لو حدثت في ظرف الاضطرار مصلحة أُخرى ملزمة أو راجحة على المفسدة صار الفعل لا محالة واجباً لكن هذا غير ما أفاده قدسسره. (٢)
__________________
١. نهاية الأُصول : ٢٤٤ ، الطبعة الأُولى.
٢. لمحات الأُصول : ٢٣٩.