ليست رهن أمر فعلي ، بل ربّما تكون عبادة ذاتية كما في نهي الحائض عن السجود للّه فتكون عبادة محرّمة ذاتاً بلا حاجة إلى الأمر.
وثالثاً : نمنع ما قاله من أنّه : « إذا قصد الأمر التشريعي يصير حراماً تشريعيّاً ويمتنع تعلّق النهي الذاتي به لاستلزامه اجتماع المثلين ، وذلك لاختلاف متعلّق الحرمتين ، لأنّ النهي الذاتي تعلّق بذات الفعل والحرمة التشريعية تتعلّق بعقد القلب بأنّه ممّا أمر به الشارع مع أنّه لم يأمر به.
ورابعاً : نفترض أنّ النهي ليس ذاتياً بل نهي تشريعي فيكون دالاً على الفساد ولا أقلّ يدلّ على أنّها ليست بمأمور بها وان عمّها إطلاق دليل الأمر أو عمومه ... فيخصص به ( النهي ) أو يقيد. (١)
يلاحظ على الأوّل بأنّ ما ذكره وإن كان صحيحاً في تعريف العبادة وقد قلنا بصحّة التعريف في أوائل البحث ، لكن عنوان البحث ، أعني قولهم : « هل النهي عن العبادة يدلّ على الفساد أو لا » ناظر إلى العبادة الفعلية لا الشأنية.
ويلاحظ على الثاني بأنّه مبنيٌّ على وجود العبادة الذاتية كالسجود للّه ، وقد عرفت ضعفها ، لأنّه يستلزم أن يكون أمر الملائكة بالسجود لآدم أمراً بالشرك ، وهو فحشاء ، واللّه سبحانه لا يأمر بالفحشاء أتقولون على اللّه ما لا تعلمون.
ويلاحظ على الثالث بأنّ تصوير النهيين : الذاتي والتشريعي والقول باختلاف متعلّقها صحيح على القول بإمكان التشريع وراء البدعة ، وأمّا على ما حقّقناه من امتناع التشريع بالمعنى الرائج عند العلماء وهو عقد القلب بوجوب شيء يعلم بعدم وجوبه شرعاً ، فهو غير متصوّر. إذ كيف يتأتّى عقد القلب بما
__________________
١. كفاية الأُصول : ١ / ٢٩٥ ـ ٢٩٦. قوله « فيخصص به أو يقيّد » ناظر إلى قوله : إطلاق دليل الأمر بها أو عمومه ولا صلة له بقوله : « نعم لو لم يكن النهي عنها إلا عرضاً ».