قلت : إنّ المقام من قبيل المتزاحمين لا المتعارضين ، والملاك في كلّ من المتزاحمين موجود على نحو لولا التزاحم لكان الفرد الموسَّع مأموراً به ، وهذا معنى اشتماله على الملاك وإن لم يكن مأموراً به بالفعل ، حتّى أنّ المحقّق النائيني جعل قصد الملاك أقوى في حصول التقرب من قصد الأمر ، فقال : لم يدل دليل على اعتبار أزيد من قصد التقرب بالعمل في وقوعه عبادة ، وأمّا تطبيقه على قصد الأمر فإنّما هو بحكم العقل ، وقصد الملاك لو لم يكن أقوى في حصول التقرب بنظر العقل من قصد الأمر فلا أقلّ من كونه مثله. (١)
الثاني : كفاية قصد الأمر المتعلّق بالطبيعة
وهذا الجواب مستنبط من كلام المحقّق الكركي وإن لم يكن هو بصدد الإجابة على إشكال بهاء الدين العاملي لتقدّم عصره عليه.
وحاصل ما يستنبط من كلامه انّ البحث عديم الثمرة في المضيقين دون المضيّق والموسّع.
أمّا الأوّل كإنقاذ الغريقين اللذين أحدهما أهمّ من الآخر ، فإنّ الأمر بالأهم يوجب سقوط الأمر بالمهم مطلقاً عن الفرد والطبيعة ، إذ ليس لها إلا فرد واحد مزاحم بالأهم.
وأمّا الثاني فتظهر فيه الثمرة ، فأمّا إذا بنينا على عدم تعلّق النهي بالضد كما هو مفروض الإشكال فغايته انّه يوجب سقوط الأمر بالطبيعة المتحقّقة في الفرد المزاحم لعدم القدرة على الإتيان به شرعاً ، وهـو في حكم عـدم القـدرة عقلاً ، لا سقوط الأمر عن الطبيعة بوجودها السعيّ ، بل الأمر بها باق لعدم اختصاص
__________________
١. أجود التقريرات : ١ / ٢٦٥ ؛ المحاضرات : ٣ / ٧١ ـ ٧٣.