ولمّـا كان هذا التفسير من العضدي غير صحيح عاد المحقّق البروجردي إلى تفسير كلام الحاجبي بنحو آخر وقال : ما هذا خلاصته : انّ ما يفهم من كلام المتكلّم قد يكون على نحو يمكن أن يقال انّه نطق به على نحو لو قيل للمتكلّم : أنت قلت هذا؟ لايصحّ له إنكاره.
وقد يكون على نحو لا يصحّ أن ينسب إليه بأنّه نطق به وللمتكلّم إمكان الفرار منه ونفي صدوره عنه ، فإذا قال : « إذا جاءك زيد أكرمه » فعدم ثبوت الإكرام عند عدم المجيء وإن كان مفهوماً منه لكن للمتكلم إمكان الفرار منه وإنكار انّه مراده ، والمداليل المطابقية والتضمنية والالتزامية للجمل ممّا لا يمكن للمتكلّم أن ينكر القول بها بعد إقراره بنطقه بالكلام ، ولأجل ذلك جعلوها من المداليل المنطوقية.
وببيان آخر : انّ المنطوق ما نطق به المتكلم بلا واسطة كما في المدلول المطابقي أو مع الواسطة كما في الأخيرين ، والمفهوم عبارة عمّا لم ينطق به لا بلا واسطة ولا معها ولكن يفهم من كلامه. (١)
يلاحظ عليه : أنّ هذا التفسير أيضاً كالتفسير السابق ، وذلك لأنّه لم يبين ضابطة لما يُنطق به المتكلّم ولما لم يُنطق به ، بل اكتفى بأنّ المداليل الثلاثة يعدّ ممّا ينطق بها وغيرها ممّا لا ينطق بها ، وذلك لأنّ الملاك في النطق وعدمه لو كان سرعة التبادر إلى الذهن فرب مفهوم أسرع تبادراً من المنطوق خصوصاً إذا كان المفهوم مفهوم الموافقة ، كالنهي عن الشتم والضرب المتبادر من النهي عن التأفيف وتبادره أسرع من تبادر جزء المعنى الذي ربما يكون مغفولاً عنه ، وعندئذ يطرح السؤال : كيف يكون النطق بالكل ( المدلول المطابقي ) نطقاً بالجزء ( الدلالة التضمنية ) ولا يكون النهي عن التأفيف نطقاً بالنهي عن الضرب والشتم؟
__________________
١. نهاية الأُصول : ١ / ٢٦٣.