فإذا كان الفحص عن المخصص أمراً متفقاً عليه ، يقع الكلام فيما هو الوجه لاتّفاق العلماء على هذا الأصل ، وقد ذكروا هنا وجوهاً ثلاثة أوضحها أوّلها :
الأوّل : وقوع العام في مظان التخصيص
قد جرى ديدن العقلاء في المحاورات الشخصية على الإتيان بكلّ ما له دخل في مقاصدهم ، ولأجل ذلك يتمسّك بظواهر كلماتهم من دون تربّص قيد ، مثلاً : كما إذا طلب المولى من عبد أن يدعو مجموعة معينة من جيرانه لمأدبة طعام ، فعندئذ يذكر كلّ ما له دخل في غرضه دون أن يميز بين الأصل والفرع.
وأمّا المحاورات العامة التي تدور حول تقنين قوانين وتسنين سنن على صعيد عام أو صعيد خاص ، فقد جرت سيرتهم على ذكر العام والمطلق في برهة والمخصص والمقيّد في برهة أُخرى.
ثمّ إنّ الداعي إلى التفريق بين العام ومخصّصه أو المطلق ومقيّده هو قصور علم المقنن عن الإحاطة بالمصالح والمفاسد ، حيث يضع حكماً عاماً ثمّ يتبيّن عدم توفر الملاك في طائفة من أفراد العام.
وربما يكون الداعي غير ذلك لكن الغالب هو الأوّل.
وأمّا التشريع الإسلامي في الذكر الحكيم فقد سار على هذا النحو ، لا لقصور في الإحاطة بالمصالح والمفاسد ، لأنّ المشرِّع هو اللّه سبحانه وهو محيط بكلّ شيء ، بل لمصالح في نزول الأحكام نجوماً طيلة ٢٣ سنة تقتضيه مصالحُ العباد ، نرى أنّه سبحانه يتكلّم في أحكام الكلالة في أوائل سورة النساء وأواخرها ، وما هذا إلا لوجود المصلحة في تبيين الأحكام نجوماً.
وقد كان المشركون في صدر الإسلام يعترضون على نزول القرآن نجوماً ، وقد