فيكون ، لا بصوت يُقْرع ولا بنداء يُسمع ، وإنّما كلامه فعل منه أنشأه ومثّله ولم يكن من قبل ذلك كائناً ». (١)
وأمّا الآية الثانية : فليس الاستشهاد والشهادة بلسان القال وإنّما هو بلسان الحال ، وإنّ كلّ إنسان إذا صار بشراً سوياً يشهد بفطرته على توحيده ، وبصنعه على حكمته سبحانه ، ولذلك يقول شيخ المفسرين الإمام الطبرسي في تفسير الآية :
المراد بالآية انّ اللّه سبحانه أخرج بني آدم من أصلاب آبائهم إلى أرحام أُمّهاتهم ثمّ رقاهم درجة بعد درجة ، وعلقة ثمّ مضغة ، ثمّ أنشأ كلاً منهم بشراً سوياً ، ثمّ حياً مكلّفاً ، وأراهم آثار صنعه ، ومكّنهم في معرفة ، دلائله حتّى كأنّه أشهدهم وقال لهم : ( ألست بربّكم فقالوا بلى ) هذا يكون معنى أشهدهم على أنفسهم دلّهم بخلقه على توحيده.
وإنّما أشهدهم على أنفسهم بذلك لما جعل في عقولهم من الأدلّة الدالّة على وحدانيته وركّب فيهم من عجائب خلقه وغرائب صنعته وفي غيرهم ، فكأنّه سبحانه بمنزلة المُشْهِد لهم على أنفسهم ، فكانوا في مشاهدة ذلك وظهوره فيهم على الوجه الذي أراده اللّه وتعذر امتناعهم منه بمنزلة المعترف المقر ، وإن لم يكن هناك إشهاد صورة وحقيقة نظير ذلك قوله تعالى : ( فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين ) وإن لم يكن منه سبحانه قول ولا منها جواب. (٢)
إلى هنا تبين انّ تكليف المعدوم بالبعث والزجر الفعليين ممّا لا يصدر من الإنسان المريد.
٢. جعل التكليف الإنشائي للموجودين والغائبين والمعدومين ، وإلى هذا
__________________
١. نهج البلاغة ، الخطبة ١٧٩.
٢. مجمع البيان : ٢ / ٤٩٨.