يعدّ الدليل اللفظي مفسراً للدليل الآخر ، والمفهوم ليس دليلاً لفظياً فيكون فاقداً للسان ، ومعه كيف يكون حاكماً على التعليل.
ومع ذلك كلّه فمن المحتمل إجمال الكلام ، لورودهما في كلام واحد أو منزلته ، ويصلح كلّ لرفع الآخر ، فالمفهوم صالح لتخصيص العام ، كما انّ العام المتصل الظاهر بصورة التعليل ، صالح لإلغاء المفهوم وإخلاء القضية عنه.
٢. حديث « قدر كرّ » وقوة العام في حديث ابن بزيع
روى محمد بن مسلم ، عن أبي عبد اللّه عليهالسلام وسُئل عن الماء تبول فيه الدوابّ ، وتلغ فيه الكلاب ، ويغتسل فيه الجنب؟ قال عليهالسلام : « الماء إذا بلغ قدر كرّ لم ينجّسه شيء ». (١) فذيل الحديث يشتمل على المفهوم وهو انّه إذا لم يبلغ الماء قدر كرّ ، ينجسه شيء ، والمراد من « شيء » هو عناوين النجاسات.
وروى محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا عليهالسلام قال : « ماء البئر واسع لا يفسده شيء ، إلا أن يتغير ريحه ، أو طعمه ، فينزح حتّى يذهب الريح ويطيب طعمه لأنّ له مادة ». (٢)
إنّ قوله : « ماء البئر واسع لا يفسده شيء » ، عام يعمّ القليل من ماء البئر وكثيره ، فهل يصحّ تخصيصه بالمفهوم المستفاد في صحيحة محمد بن مسلم أو لا؟
إنّ النسبة بين المفهوم والعام ، هو العموم من وجه ، لأنّ المفهوم أعمّ من حيث كون الموضوع مطلق الماء ، لا ماء البئر ، وأخص من حيث اختصاصه بالماء غير الكرّ ، وحديث البزنطي عام لاشتماله الكرّ وغيره ، وخاص لاختصاصه بماء
__________________
١. الوسائل : ١ ، الباب ٩ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١.
٢. الوسائل : ١ ، الباب ١٤ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٦.