الواحد غير ثابت ، لما عرفت من مخالفة الأقطاب الثلاثة ، ـ مضافاً ـ إلى أنّ هناك من القدماء من يمنع حجّية الواحد مطلقاً ، مخصّصاً كان للكتاب أو لا ، والقدر المتيقن من السيرة ، هو أخبار الآحاد المحفوفة بالقرائن ، وقد كانت في العصور الأُولى محفوفة.
ولأجل توفّر القرائن في عصر القدماء ، قسّموا الحديث إلى قسمين معتبر وغير معتبر ، فما أيّدته القرائن الداخلية كوثاقة الراوي ، أو الخارجية كوجوده في أصل معتبر ثابت انتسابه إلى جماعة كزرارة ومحمد بن مسلم والفضيل بن يسار ، فهو صحيح ـ أي معتبر ـ يجوز الاستناد إليه ، والفاقد لكلتا المزيتين غير صحيح بمعنى انّه لايمكن الركون إليه.
وإنّما آل التقسيم الثنائي إلى الرباعي لأجل ضياع القرائن بضياع الأُصول. (١)
يلاحظ على الثاني : بأنّ كثيراً من أخبار الآحاد يرجع إلى تفسير مبهمات القرآن ومجملاته ، وقد عرفت أنّ حجّية خبر الواحد في هذا الباب خارج عن محط النزاع.
فإن قلت : إنّ ما ورد ، حول النجاسات والمحرّمات ينافي قوله سبحانه : ( هُوَ الذي خَلَقَ لَكُم ما فِي الأرضِ جَمِيعاً ). (٢)
قلت : لا منافاة بين مفاد الآية وبين ما دلّ على كون شيء نجساً أو محرّماً ، وذلك لأنّ المراد من الآية الانتفاع بنحو من الأنحاء ، لا خصوص الأكل والشرب ، حتّى يكون دليلاً على المخالفة. هذا دليل المجوزين ، ولندرس دليل المانعين.
__________________
١. لاحظ : كليات في علم الرجال : ٥٩.
٢. البقرة : ٢٩.