مبهمات لا متشابهات ، مجهولات لا متماثلات.
وثانياً : إنّ وصف المحكمات بكونها أُمّ الكتاب لبيان أنّ رفع التشابه من الآيات المتشابهة يتحقّق بإرجاعها إلى المحكمات ، وأمّا العوالم الغيبية فهي حقائق مغمورة لا توضح بالرجوع إلى أيّ آية من الآيات.
وثالثاً : إنّ الآية تصرّح بأنّ أصحاب الأهواء يتبعون الآيات المتشابهة مكان الاتباع للمحكمات ، وهذا فرع أن يكون للآية المتشابهة ظهور ما ، وأمّا العوالم الغيبية فليس هناك أيّ ظهور لها حتّى يتّبع.
ورابعاً : إنّ المتشابه ، آية متشابهة من أوّلها إلى آخرها يشتبه المراد منها بغيره ، وأمّا العوالم الغيبية فهي مفردات لا آيات ، فقوله سبحانه : ( وَما خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْس إِلاّ لِيَعْبُدُون ) (١) آية محكمة واضحة الدلالة ، مبيّنة المقصد ، وإجمال حقيقة الجن لا يوجد في الآية أي تشابه.
ثمّ إنّ الداعي لاختيار هذا الرأي هو أنّ ابن تيميّة ممّن يحمل الصفات الخبرية كالاستواء على العرش ، والبناء بالأيدي وغيرهما على معانيها اللغويّة فهي عندها من المحكمات وإن استلزمت التشبيه والتجسيم والجهة للّه سبحانه مع أنّها عند المشهور ، متشابهات تُفسر في ضوء المحكمات ولأجل ذلك اضطرّ إلى تفسير المتشابه بالعوالم الغيبيّة الّتي هي مجهولات مبهمات لا متشابهات.
وخامساً : انّ الآية تحكي عن أنّ أصحاب الأهواء يثيرون الفتنة بالآيات المتشابهة ، ولم تكن العوالم الغيبية كالروح والجنّ والملك سبباً لإثارة الفتنة ، بخلاف ما نذكره من الصفات الخبرية ، فإنّها لم تزل وما زالت سبباً لإثارة الفتنة وقد فرّقت كلمة الأُمّة وجعلتها طائفتين أو طوائف.
____________
١. الذاريات : ٥٦.