ولو اشتغل بالمهم فقد امتثل أحد التكليفين لكن لا يكون معذوراً في ترك الأهم ، كما أنّه لو ترك اشتغاله بالأهمّ والمهمّ معاً فلا يكون معذوراً في ترك الأمرين.
إذا عرفت هذه المقدّمات السبع ، فقد استنتج قدسسره من هذه المقدّمات بقاء الحكمين أو الخطابين على الموضوعين من دون تقييد الأمر بالمهم بالعصيان ، وذلك لما مرّ في المقدّمة الخامسة من أنّ الخطابات الشخصية تختلف عن الخطابات القانونية ، فالخطاب الشخصي ناظر إلى صورة الابتلاء فلا محيص من تقييد الخطاب بالمهم بترك الأهم وعصيانه ، وأمّا الخطابات القانونية فبما انّ الخطاب واحد وهو غير ناظر إلى حالة التزاحم بحكم المقدّمة الرابعة فلا داعي لتقييد امتثال الأمر بالمهم بعصيان الأوّل.
فخرج بهذه النتيجة بقاء الحكمين والخطابين بحالهما عند الابتلاء بالتزاحم غاية الأمر للمكلّف تحصيل العذر في ترك أحدهما ، فلو امتثل الأمر بالأهم فقد حصّل العذر ، وإن امتثل الأمر بالمهم لم يحصّل العذر في ترك الأهم ، وإن عصى كلا الأمرين فلم يحصّل عذراً أبداً.
وبهذا تبين انّ الأهم والمهم نظير المتساويين في أنّ كلّ واحد مأمور به في عرض الآخر ، وهذان الأمران العرضيان فعليّان متعلّقان بعنوانين كلّيين من غير تعرّض لهما لحال التزاحم وعجز المكلّف ، إذ المطاردة التي تحصل في مقام الإتيان لا توجب تقييد الآخرين أو أحدهما أو اشتراطهما أو اشتراط أحدهما بحال عصيان الآخر لا شرعاً ولا عقلاً ، بل تلك المطاردة لا توجب عقلاً إلا المعذورية العقلية في ترك أحد التكليفين حال الاشتغال بالآخر في المتساويين وفي ترك المهم حال اشتغاله بالأهم. (١)
__________________
١. تهذيب الأُصول : ١ / ٣٠٢ ـ ٣١٢.