الوجه المسـطور في كتب التواريخ، والمذكور على ألسنة الثقات، يدلّ بظاهـره على أنّ بعضهم قد حاد عن طريق الحقّ، وبلغ حدّ الظلم والفسق، وكان الباعث له الحقد والعناد والحسد واللداد، وطلب الملك والرئاسة، والميل إلى اللذاتوالشهوات ; إذ ليس كلّ صحابي معصوماً، ولا كلّ من لقى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بالخير موصوفاً، إلاّ أن العلماء لحسن ظنّهم بأصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ذكروا لهامحامل وتأويلات بها تليق، وذهبوا إلى أنّهم محفوظون عمّا يوجب التضليل والتفسيق ; صوناً لعقائد المسلمين عن الزيغ والضلالة في حقّ كبار الصحابة، سيما المهاجرين منهم والأنصار، والمبشّرين بالثواب في دار القرار.
وأمّا ما جرى بعدهم من الظلم على أهل بيت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فمن الظهور بحيث لا مجال للإخفاء، ومن الشناعة بحيث لا اشتباه على الآراء، إذ تكاد تشهد به الجماد والعجماء، ويبكي له من في الأرض والسماء، وتنهدّ منه الجبالوتنشقّ الصخور، ويبقى سوء عمله على كرّ الشهور ومرّ الدهور، فلعنة الله على من باشر أو رضي أو سعى، ولعذاب الآخرة أشدّ وأبقى.
فإن قيل : فمن علماء المذهب من لم يجوّز اللعن على يزيد (١) مع علمهم بأنّه يستحق ما يربو على ذلك ويزيد.
قلنا : تحامياً عن أن يرتقى إلى الأعلى فأعلى كما هو شعار الروافض على ما يروى في أدعيتهم ويجري في أنديتهم، فرأى المعتنون بأمر الدين
____________________
(١) كعبد المغيث بن زهير الحربي، فقد كتب كتاباً يمنع من لعن يزيد، وقد ردّه أبوالفرج بن الجوزي بكتاب أسماه : الرد على المتعصّب العنيد المانع من ذمّ يزيد. انظر الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب ١ : ٢٩٩.