ينوي بسفره زيارة القبر الشريف النبوي صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يقصر، وسوى ذلك ممّا يشبهه، وبعث العقد إلى الملك الناصر بمصر فأمر بسجن ابن تيميّة بالقلعة فسجن بها حتّى مات في السجن، شهد عليه بكلّ ذلك معاصره الشيخ الفقيه العالم الثقة النبيه الناسك الأبرّ، وفد الله المعتبر شرف الدين، المعتمد في سياحته على ربّ العالمين أبو عبد الله محمّد بن عبد الله بن محمّد بن إبراهيم اللواتي الطنجي المعروف بابن بطوطة، قال في رحلته في صفحة ٦٨ من الجزء الأوّل المطبوعة بمصر في المطبعة الخيريّة ما لفظه :
حكاية : وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة تقي الدين بن تيميّة، كبير الشام، يتكلّم في الفنون إلاّ أنّ في عقله شيئاً، وكان أهل دمشق يعظّمونه أشدّ التعظيم ويعظهم على المنبر، وتكلّم مرّة بأمر أنكره الفقهاء، ورفعوه إلى الملك الناصر، فأمر بإشخاصه إلى القاهرة، وجمع القضاة والفقهاء بمجلس الملك الناصر (١) ، وتكلّم شرف الدين الزواوي المالكي، وقال : إنّ هذا الرجل قال كذا كذا، وعدّد ما أنكر على ابن تيميّة، وأحضر العقود بذلك ووضعها بين يدي قاضي القضاة، وقال قاضي القضاة لابن تيميّة : ما تقول. قال : لا إله إلاّ الله. فأعاد عليه فأجاب بمثل قوله، فأمر الملك الناصر بسجنه فسجن أعواماً، وصنّف في السجن كتاباً في تفسير القرآن سمّاه بالبحر المحيط في نحو أربعين مجلداً، ثمّ أنّ اُمّه تعرّضت للملك الناصر وشكت إليه فأمر بإطلاقه، إلى أن وقع منه مثل ذلك ثانية، وكنت إذ ذاك بدمشق فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكّرهم، فكان من جملة كلامه أن قال : إنّ الله ينزل إلى سماء
____________________
(١) الملك الناصر هو محمّد بن تلاوون سلطان تلك البلاد حينئذ. «منه».