ثم لا يخفى عليك أنّه لا مجال للأخير من أقسام الحدس ؛ لعدم صحة نسبة الآراء والأقوال إليهم بمجرد اتفاقهم على بعض القواعد والاصول مع احتمال الخطأ في التطبيق وعدم كون المورد من مواردهما هذا مضافا إلى احتمال كون رأيهم على خلافها من جهة احتمال ورود دليل خاصّ فيه.
كما أنّه لا مجال للقسم الثاني ؛ لندرة حصول العلم بدليل تامّ من رأي جماعة معدودة من العلماء.
فانحصر الأمر في القسم الأوّل ، وله تقاريب :
منها : ما مرّ في ثالث الوجوه من أنّ اجماع القدماء إذا كان متصلا بإجماع أصحاب الأئمة عليهمالسلام حصل لنا العلم بتقرير المعصوم بالنسبة إلى آرائهم ، ولعلّ ذلك يحرز في موارد كان رأي علماء الإمامية على خلاف العامّة ولا يرد على هذا التقريب الإشكالات الواردة على التقريب الآتي.
ومنها : أنّ الإجماع المحصل سواء كان من القدماء أو المتاخرين يكشف عن وجود النص إذا كان مورد الاجماع مخالفا للقواعد والاصول ولم يستندوا إلى دليل ؛ لأنّ العلماء مع كثرة اختلافاتهم واختلاف مبانيهم ومشاربهم إذا فرض اتفاقهم في مسألة من المسائل ، فلا محالة يحصل بذلك الحدس القطعي أو الاطمئناني بتلقّيهم ذلك ممن يكون قوله حجة عند الجميع ، كما في نهاية الاصول. (١)
وبعبارة أخرى : أنّ الإجماع حجّة ؛ لرجوعه إلى وجود السنة بينهم ، وهي غير واصلة إلى المتأخرين عنهم وكأن ذلك الدليل نقي الدلالة والسند وتاما من جهة الصدور بحيث إذا وصل إلى المتأخرين عنهم لنا لوا منه ما نالوا منه. (٢) ولعلّ هذا الحدس لا يتوقف على الاتفاق ، بل يحصل بإجماع جلّ الأصحاب.
__________________
(١) نهاية الاصول : ٥٣٣.
(٢) فوائد الاصول ٣ : ١٥٣ ـ نهاية الافكار ٣ : ٩٨.