ولكن يرد على التقريب الأخير :
أوّلا : أنّه ليس تاما بنحو الكلية ؛ لعدم العلم بالملازمة العادية بين إجماع العلماء على أمر وبين العلم بتلقيهم ذلك من المعصوم عليهالسلام مع وجود الأدلة العقلية في المسألة أو مع كون المسألة من المسائل التفريعية الّتي استنبطها الفقهاء من الاصول المتلقاة والقواعد الكلية باعمال النظر والاجتهاد ، فإجماع العلماء في أمثالها لا يكشف عن تلقّيهم عن المعصومين عليهمالسلام بل غايته أنّه يكون من باب التوافق في الفهم والنظر. نعم لو كانت المسألة من المسائل النقليّة المحضة واتفق عليها الفقهاء الذين لا يتعبدون إلّا بالنقل طبقة بعد طبقة إلى عصر المعصومين علم منه قهرا أنّهم تلقوها منهم بعد ما أحرزنا أنّهم لم يكونوا ممن يفتي بالقياس والاستحسانات العقلية والاعتبارات الظنية. (١)
ويمكن أن يقال : إنّ مورد كلام القائلين بالحدس بالتقريب الثاني هو ما إذا كانت المسألة من المسائل النقليّة المحضة وكانت خلاف القاعدة فاتفاقهم حينئذ يكشف عن وجود النصّ بينهم وإن لم يصل إلينا ، ولكن لا يلزم من التقريب المذكور أن يتصل الاجماع إلى عصر المعصومين ، بل يكون إجماع المتأخرين أيضا كذلك.
وثانيا : أنّ هذه الطريقة موهونة بدعوى أنّ من البعيد جدا أن يقف الكليني أو الصدوق أو الشيخ ومن بعده على رواية متقنة دالة على المقصود ومع ذلك تركوا نقلها وهي تصير مكشوفة بالإجماع في عصر الكليني أو الصدوق أو الشيخ او بعده.
ويمكن أن يقال ربّما لم يكن مورد فتاوى القدماء مرويّا بالأسناد بل كان من المسلمات بينهم ولعله لذا لم يرووها في كتبهم وعليه فيصح أن يقال : إنّ الشهرة الفتوائية بشيء عند قدماء الأصحاب يكشف عن كون الحكم مشهورا في زمن الائمة بحيث صار الحكم في الاشتهار بمنزلة أوجبت عدم الاحتياج إلى السؤال عنهم ، كما نشاهده في بعض المسائل الفقيهة. وبالجملة ان اشتهار حكم بين الأصحاب يكشف عن ثبوت الحكم في الشريعة المطهرة ومعروفيته من لدن عصر الأئمة عليهمالسلام. (٢)
__________________
(١) نهاية الاصول : ٥٣٤.
(٢) تهذيب الاصول ٢ : ١٠٠.