ومما ذكرنا يظهر النظر في قياس المقام بمثل قولهم أن اعطاك زيد درهما فتصدق به ، فان المقيس عليه ليس الموضوع إلّا الخاص المذكور ، ولا مجال لتجريد الموضوع عن الخصوصيات ؛ لانه مع الخصوصيات يكون موردا لوجوب التصدق كما لا يخفى.
وبعبارة اخرى : ليس الموضوع هو طبيعة العطاء حتى يقال أن كان ذلك من زيد فيجب التصدق به وإن لم يكن فلا يجب ، بل الموضوع هو حكم عطاء خاص وهو عطاء زيد ؛ والتجريد عند العرف مخصوص بالموضوعات التي تكون لها عند العرف أحكام عديدة كالنبإ والسلام ونحوهما ، لا مثل عطاء خاص كعطاء زيد.
ولقد افاد وأجاد في نهاية الأفكار حيث قال : لا شبهة في أن استخراج المفهوم من القضايا يحتاج الى تجريد ما هو الموضوع المذكور فيها في طرف المفهوم من القيود التي اريد استخراج المفهوم من جهتها شرطا أو وصفا أو غاية ، ففي مثل أن جاءك زيد يجب اكرامه لا بد في استخراج مفهوم الشرط منه من تجريد الموضوع الذي هو زيد من اضافته الى المجيء بجعله عبارة عن نفس الذات مهملة ، وإلّا ففي فرض عدم تجريده منه لم يبق مجال لاستخراج المفهوم منه ؛ لكونه حينئذ من السالبة بانتفاء الموضوع ، فان الموضوع وما يرجع اليه الضمير في قوله يجب اكرامه يكون عبارة عن زيد المقيد بالمجيء. ومن الواضح أن الانتفاء عند الانتفاء حينئذ لا يكون إلّا من باب السلب بانتفاء الموضوع من جهة انتفاء المقيد بانتفاء قيده. وهذا بخلاف تجريده عن الخصوصية ؛ اذ معه كان المجال لحفظ الموضوع في طرف المفهوم ، فأمكن استخراج مفهوم الشرط من القضية المزبورة ... الى أن قال : واذا عرفت ذلك نقول : أن المحتملات المتصورة في الشرط في الآية الشريفة ثلاثة :
منها : كون الشرط فيها نفس المجيء خاصة مجردا عن متعلقاته ، وعليه يتم ما افاده الشيخ من انحصار المفهوم فيها بالسالبة بانتفاء الموضوع ؛ فان لازم الاقتصار في التجريد على خصوص المجيء هو حفظ اضافة الفسق في ناحية الموضوع بجعله عبارة عن النبأ المضاف الى الفاسق ، ولازمه هو كون الانتفاء عند الانتفاء من باب السلب بانتفاء الموضوع ؛