وأجاب عنه في نهاية الأفكار بأنّ ذلك يتم إذا كان دعوى الأخباري إثبات العقوبة على مخالفة نفس إيجاب الاحتياط في قبال الواقع وليس كذلك بل مقصودهم إنّما هو إثبات العقوبة على مخالفة التكليف المجهول بمقتضى ما دل على وجوب التوقف والاحتياط في قبال الاصولي فإنّ هذا هو الذي يساعد أدلتهم من نحو رواية التثليث من نحو قوله عليهالسلام وهلك من حيث لا يعلم وعليه فلا وجه لتوهم ورود أدلة الاحتياط على الرواية ولا حكومتها عليها.
نعم لو كانت أدلة الاحتياط متكفلة لإثبات العلم بالواقع كالأمارات كان لدعوى الحكومة كمال مجال ولكنه ليس كذلك بداهة إنّ مفاد تلك الأدلة لا يكون إلّا مجرد إثبات وجوب التوقف والاحتياط عند الجهل بالواقع.
ومجرد صلاحيتها لتنجيز الواقع عند الموافقة لا يقتضي الطريقية والكاشفية كما هو ظاهر.
نعم لو كان العلم في الرواية كناية عن مطلق قيام الحجة على الواقع أو كان المراد من عدم العلم الذي عليه مدار السعة هو عدم العلم بمطلق الوظيفة الفعلية لأمكن دعوى ورود إيجاب الاحتياط عليها ولكن ذلك خلاف ما يقتضيه ظهور الرواية في كون العلم الذي عليه مدار الضيق هو العلم بالواقع كما هو ظاهر. (١)
ولقد أفاد وأجاد إلّا انّا لا نسلم الحكومة أيضا فيما إذا كان العلم في الرواية كناية عن مطلق قيام الحجة على الواقع لأنّ أدلة الاحتياط ليست من باب قيام العلم والحجة على الواقع.
ولذا قال سيدنا الإمام المجاهد قدسسره : إنّ العلم المستعمل في الروايات وإن كان المراد منه المعنى الأعم أي الحجة لا الاعتقاد الجازم المطابق للواقع ولكن الحجة عبارة عن الطرق العقلائية والشرعية إلى الواقع التي تكشف كشفا غير تام والاحتياط ليس منها بلا إشكال والشاهد على ذلك إنّه لو أفتى أحد على الواقع لقيام الأمارة عليه لما يقال إنّه أفتى بغير علم
__________________
(١) نهاية الأفكار ٣ : ٢٢٨.