وأمّا إذا أفتى بوجوب شيء لأجل الاحتياط فإنّه أفتى بغير علم إلى أن قال إن شرب التتن بملاحظة كونه مجهول الحكم مرخص فيه حسب الحديث فلو تم أخبار الاحتياط ولزم وجوب الاحتياط لعدّ ذلك منافيا للترخيص من غير فرق بين أن يكون لزوم الاحتياط نفسيا أو غيريا. (١)
ومما ذكر يظهر ما في بعض العبائر من أنّ إيجاب الاحتياط إنّما هو طريقي للوصول إلى التكليف الواقعي فإيجابه ضيّق ناش من ناحية التكليف الواقعي المجهول فالحكم بالسعة من ناحيته يقتضي عدم إيجاب الاحتياط. (٢)
وذلك لما عرفت من أنّ الاحتياط ليس بطريق إلى الواقع وإن أتى به الواقع وكان حكما غيريا لأنّ الاحتمال لا طريقية له وصرف كون الاحتياط واجبا غيريا لا يوجب أن يكون طريقا إلى الواقع هذا مضافا إلى أنّ الاحتياط لو كان طريقا إلى الواقع فبعد قيام دليل الاحتياط لا مجال للحكم بالسعة من ناحية الجهل بالواقع إذ معه لا جهل بالنسبة إلى الحكم الواقعي.
ثم لا يذهب عليك أنّ الاستدلال بهذا الحديث لا يتوقف على تعيين أنّ كلمة «ما» موصولة أو ظرفية لما عرفت من تمامية الاستدلال على التقديرين كما هو المستفاد من ظاهر الكفاية ونهاية الأفكار وتهذيب الاصول وذلك لأن متعلق العلم هو الحكم الواقعي كما في حديث رفع ما لا يعلمون فالحديث يدل على رفع الضيق الناشي من الحكم الواقعي المجهول أو يدل على رفع الضيق الناشي من ناحية الحكم الواقعي المجهول ما دام لا يحصل العلم أو الطريق بالنسبة إلى الحكم الواقعي.
ودعوى احتمال أن يكون مفاد الحديث الحكم بالسعة ما دام لم يعلموا بالضيق ولو ضيق ما بعنوان وجوب الاحتياط فلا محالة تحصل الغاية وترتفع السعة بوجوب الاحتياط ومع
__________________
(١) تهذيب الاصول ٢ : ١٧٤.
(٢) تسديد الاصول ٢ : ١٤٣.