فقد يفرض بعض المراتب من منعمية المنعم لا يترتب عليه حق الطاعة إلّا في بعض التكاليف المهمة لا في كلها وقد تكون المنعمية أوسع بنحو يترتب حق الطاعة في خصوص التكاليف المعلومة وقد تكون مولوية المولى أوسع دائرة من ذلك بأن كانت منعميته بدرجة يترتب عليه حق الطاعة حتى في المشكوكات والمحتملات من التكاليف.
فهذا بحسب الحقيقة سعة في دائرة المولوية إذن فالحجية ليست شيئا منفصلا عن المولوية وحق الطاعة ومرجع البحث في قاعدة قبح العقاب بلا بيان إلى البحث عن أنّ مولوية المولى هل تشمل التكاليف المحتملة أم لا.
ولا شك أنه في التكاليف العقلائية عادة تكون المولوية ضيقة ومحدودة بموارد العلم بالتكليف وأمّا في المولى الحقيقي فسعة المولوية وضيقها يرجع فيها إلى حكم العقل تجاه الخالق سبحانه ومظنوني إنّه بعد الالتفات إلى ما بيناه لا يبقى من لا يقول بسعة مولوية المولى الحقيقي بنحو تشمل حتى التكاليف الموهومة ومن هنا نحن لا نرى جريان البراءة العقلية. (١)
وفيه أولا : أن الموالي العرفية أيضا مختلفون في سعة المولوية وضيقها وبعضهم أوسع حقا من الآخرين ومع ذلك لا يحكم العقلاء بالنسبة إلى ذلك البعض بوجوب مراعاة التكاليف الموهومة بعد الفحص عنها وعدم وجدان حجة عليها بل يجعلون احتمال التكليف كالعدم والعقاب عليه عقابا بلا بيان فكما أنّ العقلاء لا يحكمون بذلك بالنسبة إلى بعض الموالي فكذلك لا يحكمون بذلك بالنسبة إلى طاعة المولى الحقيقي من دون تفاوت. وثانيا :
إنّ إيجاب الاحتياط في جميع الأمور بمجرد الاحتمال ولو كان الاحتمال وهميا لا يناسبه حكمة الرب المتعال بل هو خلافها لأن الإيجاب المذكور يكون حرجيا وصعبا لا يتحمله الناس عادة بل يلزم منه الاختلال فلا معنى لتقبيح تركه عقلا وأتمية مراتب المولوية وأكبرية حق المولى الحقيقي توجب أهمية الامتثال بالنسبة إلى خطاباته المعلومة لا مراعاة الخطابات
__________________
(١) مباحث الحجج ٢ : ٢٣ ـ ٢٤.