والوجه في أنّ عدم العلم حجة مقبولة من ناحية العبد انّ الاحتمال ليس ببيان عندهم بل هو كالعدم فالعقوبة مع الاحتمال عقوبة بلا بيان ولا يجوز أن يكتفي المولى في الحجة بنفس الاحتمال لأن عرف العقلاء لا يرونه حجة واللازم في الاحتجاج هو انقطاع العذر بما يراه العقلاء حجة وسيأتى إن شاء الله تعالى بقية الكلام عند استدلال القائلين بالاحتياط بالوجه العقلي.
ومنها : أنّ قاعدة قبح العقاب بلا بيان على فرض تماميتها محكومة لقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل وذلك لما يقال من أنّ حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل بيان عقلي ومعه لا مورد لقاعدة قبح العقاب بلا بيان لكفاية قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل للبيان فلا تقبح المؤاخذة بعد هذا البيان.
يمكن أن يقال إن أريد من الضرر المحتمل العقوبة فقد أجيب عنه بوجوه منها ما أجابه الشيخ الأعظم قدسسره بأن الحكم المذكور على تقدير ثبوته لا يكون بيانا للتكليف المجهول المعاقب عليه وإنّما هو بيان لقاعدة كلية ظاهرية وإن لم يكن في مورده تكليف في الواقع فلو تمت عوقب على مخالفتها وإن لم يكن تكليف في الواقع لا على التكليف المحتمل على فرض وجوده فلا تصلح هذه القاعدة لورودها على قاعدة القبح المذكورة بل قاعدة القبح واردة عليها لأنها فرع احتمال الضرر أعني العقاب ولا احتمال بعد حكم العقل بقبح العقاب من غير بيان فمورد قاعدة دفع العقاب المحتمل هو ما ثبت العقاب فيه ببيان الشارع للتكليف فردد المكلف به بين أمرين كما في الشبهة المحصورة وما يشبهها. (١)
حاصله أن قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل من القواعد الكلية الظاهرية وتكون متكفّلة للعقوبة على مخالفة التكليف المحتمل بما هي كذلك وإن لم يكن في مورده تكليف في الواقع فهذه القاعدة كالاصول العملية وعليه فلا تصلح لأن تكون بيانا للتكليف المجهول ومع كونها ظاهرية لا يرتفع موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان ومع عدم ارتفاع موضوع
__________________
(١) فرائد الاصول : ٢٠٣.