قاعدة وجوب دفع الضرر ليس كذلك فإنّ الصغرى فيه ليس أمرا وجدانيا فعليا بل صحة صغراه يتوقف على أمور : إمّا تقصير العبد في الفحص عن تكاليفه أو كون المولى غير حكيم أو غير عادل أو كون العقاب بلا بيان أمرا غير قبيح فلأجل واحد من هذه الأمور يصير العقاب محتملا والمفروض عدم تحقق واحد منها فظهر أن الصغرى في قاعدة قبح العقاب وجدانية قطعية فعلية أما الصغرى في قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل معلقة على تحقق واحد هذه الأمور والمفروض عدم تحققها ولا شك عندئذ في حكومة القياس المنظم من المقدمات الفعلية على المتوقف على أمور لم يحصل واحد منها بمعنى أنّ قياس قاعدة قبح العقاب بلا بيان دافع لصغرى قياس وجوب دفع الضرر المحتمل.
ولعله إلى ذلك ينظر كلمات القوم وإلّا فظاهر كلماتهم من ورود إحدى الكبريين على الأخرى غير صحيح فإنّ النزاع ليس بين الكبريين بل صحتهما مما لا إشكال فيه وصدقهما لا يتوقف على وجود مصداق لصغراه إذ العقاب بلا بيان قبيح كان بيان في العالم أولا كما أن دفع الضرر المحتمل واجب كان الضرر فى العالم أولا فاحتمال الضرر في بعض الموضوعات وتحقق البيان كذلك غير مربوط بحكم الكبريين وموضوعهما فلا يكون إحدى الكبريين واردة أو حاكمة على الأخرى قط بل أحد القياسين بعد تمامية مقدماته وجدانا أو برهانا يدفع صغرى القياس الآخر بالبيان المتقدم. (١)
هذا كله فيما إذا كان المراد من الضرر في قاعدة وجوب دفع الضرر هو العقوبة الأخروية وقد عرفت أنه لا مجال لاحتمال العقوبة في نفسه إن أريد بالاحتمال ما له سبب مصحح كما يقتضيه كون وجوب الدفع إرشاديا وإن أريد به الأعم فلا مجال له أيضا لحكومة قاعدة قبح العقاب بلا بيان عليه وأما إذا أريد من الضرر غير العقاب الأخروي من الضرر الدنيوي الذي لا يتوقف ترتبه على العلم أو العلمي فلا حاكم حينئذ على قاعدة دفع الضرر المحتمل لاختصاص قاعدة قبح العقاب بالضرر الأخروي وهو العقوبة وعليه فمقتضى وجوب
__________________
(١) تهذيب الاصول ٢ : ١٩٠ ـ ١٩١.