من الامتيازات الداخلية والخارجية تمنع عن غلبة الأيادي الجائرة بمثل التحريف عليه.
ومنها قوله تعالى في سورة القيامة (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (١٩))
تدل هذه الآيات على أنّ الله تعالى جعل جمع القرآن وقراءته حتما على نفسه ووعده لنبي صلىاللهعليهوآله ليطمئنّ بحفظه ومنعه عن التعجيل في قراءته لغرض الحفظ والجمع ومن المعلوم أنّ وعده تعالى لا يتخلّف إذا التخلّف ناش إمّا من جهة عروض العوارض كالنسيان أو من جهة العجز وكلاهما محالان في الله تعالى.
قال في الميزان الذى يعطيه سياق الآيات الأربع بما يحفّها من الآيات المتقدمة والمتأخّرة الواصفة ليوم القيامة أنّها معترضة متضمنة أدبا إلهيا كلّف النبى صلىاللهعليهوآله أن يتأدب به حينما يتلقى ما يوحى إليه من القرآن الكريم فلا يبادر إلى قراءة ما لم يقرأ بعد ولا يحرك به لسانه وينصت حتى يتمم الوحى فالآيات الأرباع في معنى قوله تعالى ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه. (١)
والمعنى لا تعجل به إذ علينا أن نجمع ما نوحيه إليك بضمّ بعض أجزائه إلى بعض وقراءته عليك فلا يفوتنا شيء منه حتى يحتاج إلى أن تسبقنا إلى قراءة ما لم نوحه بعد.
ودعوى أنّ معنى هذه الآيات أنّ النبي كان يحرّك لسانه عند الوحى بما ألقى إليه من القرآن مخافة أن ينساه فنهى عنه بالآيات وأمر بالانصات حتى يتمّ الوحى فضمير «لا تحرّك به» للقرآن أو الوحى باعتبار ما قرء عليه منه لا باعتبار ما لم يقرأ بعد.
مندفعة بأنّه لا يلائم سياق الآيات تلك الملاءمة نظر إلى ما فيها من النهي عن العجل والأمر باتّباع قرآنه تعالى بعد ما قرء وكذا إنّ علينا جمعه وقرآنه فذلك كله أظهر فيما تقدم منها في هذا المعنى. (٢)
__________________
(١) طه / ١١٤.
(٢) الميزان : ٢٠ / ١٩٦ ـ ١٩٥.