علم أنّ هذا فعل أسّسه غير حكيم ولا ذي نظر ، فقل فإنّك رأس هذا الأمر وسنامه ، وأبوك اُسّه ونظامه.
فقال أبو عبدالله عليهالسلام : «إنّ مَنْ أضلّه الله وأعمى قلبه استوخم (١) الحقّ فلم يستعذبه ، وصار الشيطان وليّه يورده مناهل الهلكة ثمّ لا يصدره ، وهذا بيت استعبد الله عزوجل به خلقه ليختبر به طاعتهم في إتيانه ، فحثّهم على تعظيمه وزيارته ، وجعله محلّ أنبيائه ، وقبلةً للمصلّين له ، فهو شعبة من رضوانه ، وطريق يؤدّي إلى غفرانه ، منصوب على استواء الكمال ومجتمع العظمة والجلال ، خلقه الله عزوجل قبل دحو الأرض بألفي عام ، وأحقّ مَنْ أُطيع فيما أمر وانتهى عمّا نهى عنه وزجر الله المُنشئ للأرواح والصُّوَر».
فقال ابن أبي العوجاء : ذكرت يا أبا عبدالله ، فأحلت على غائب ، فقال : «ويلك ، وكيف يكون غائباً مَنْ هو في خلقه شاهد ، وإليهم أقرب من حبل الوريد ، يسمع كلامهم ويرى أشخاصهم ويعلم أسرارهم ، وإنّما المخلوق الذي إذا انتقل عن مكان اشتغل به مكان وخلا منه مكان ، فلايدري في المكان الذي صار إليه ما حدث في المكان الذي كان فيه ، فأمّا الله العظيم الشأن الملك الديّان فإنّه لا يخلو منه مكان ، ولا يشتغل به مكان ، ولا يكون إلى مكان أقرب منه إلى مكان ، والذي بعثه بالآيات المحكمة ، والبراهين الواضحة ، وأيّده بنصره ، واختاره لتبليغ رسالاته صدّقنا قولَه بأنّ ربّه بعثه وكلّمه».
فقام عنه ابن أبي العوجاء فقال لأصحابه : مَنْ ألقاني في بحر هذا ؟
__________________
(١) ورد في حاشية «ج ، ل» : توخّمه واستوخمه : لم يستمرْه. القاموس المحيط ٤ : ١٦٢ / الوهم .