يا ابن آدم! أنا أولى بحسناتك منك ، وأنت أولى بسيّئاتك منّي ، عملت المعاصي بقوّتي التي جعلتها فيك » (١).
بيان
ذلك الحديث يدلّ على أنّ التفويض يوجب بطلان أمره تعالى ونهيه ، وعجزه عن التصرّف والتدبير والإعانة والخذلان ، والله تعالى أعزّ من ذلك ، بل له الأمر والنهي والتدبير والامتحان والاختبار حتّى أنّه لا يقع طاعة إلاّ بعونه ، ولا معصية إلاّ بخذلانه ، فبطل قول المعتزلة ، وأنّه يقبح من العدل الحكيم أن يجبر عبده على المعصية ، ثمّ يعذّبه بها ، بل يلزم أن لا يتّصف فعل عبد بقبح ؛ لكونه فعل الله ، وكون كلّ فعل من الله حسنا ولو من جهة أنّه فعله ، كما يقوله الأشاعرة الجبريّة ، فيدلّ على بطلان قولهم ، وعلى أنّه تعالى عادل غير ظالم ، وأنّ الأفعال صادرة عن العبد بالاختيار والقدرة المخلوقة فيهم من الله ، لا عنه تعالى بالقدرة الأزليّة ، كما زعمت الأشاعرة (٢) ؛ لتنزّهه تعالى عن القبائح وامتناع اتّصافه بالظلم والجور ، ولا عن مجموع قدرة العبد وقدرته تعالى ، كما عن أبي إسحاق الأسفراينيّ (٣) ؛ لامتناع أن يعذّب الشريك القويّ شريكه الضعيف على الفعل المشترك بينهما ، ولا بالتفويض إليهم ؛ لامتناع خروجه تعالى عن السلطنة وعدم احتياج الباقي إليه تعالى في البقاء والقدرة ، بل الحسنات تصدر منهم بالقوّة والقدرة التي خلقها الله فيهم بحيث يتمكّنون على الضدّين ، ولكنّها لحسنها صارت متعلّقة لرضائه تعالى ، فيضاف إلى تلك القدرة توفيقه تعالى بتوجيه أسبابها إليهم ، فهو أولى بها.
__________________
(١) « الكافي » ١ : ١٥٧ باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين ، ح ٣ ؛ « التوحيد » : ٣٦٢ باب نفي الجبر والتفويض ، ح ١٠.
(٢) « أصول الدين » لعبد القاهر البغداديّ : ١٣٤ ـ ١٣٧ ؛ « شرح الأصول الخمسة » : ٣٢٤ ؛ « المطالب العالية » ٩ : ١٩ ؛ « الأربعين في أصول الدين » ١ : ٣١٩ ؛ « المحصّل » : ٤٥٥ ـ ٤٧٤ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ١٤٥ ـ ١٧٣.
(٣) نقله عنه الرازيّ في « المطالب العالية » ٩ : ١١ ؛ « الأربعين في أصول الدين » ١ : ٣١٩ ـ ٣٢٠ ، والتفتازانيّ في « شرح المقاصد » ٤ : ٢٢٣ ، والعلاّمة الحلّيّ في « كشف المراد » : ٣٠٨ ؛ « مناهج اليقين » : ٢٣٦.