مثلا : « الظلم قبيح » قضيّة ثبت فيها حكم لموضوع وذلك بواسطة إدراك العقل ، فهي إذن قضيّة عقليّة ، والتعبير عنها بالدليل باعتبارها صالحة للكشف عن حكم شرعي أو المساهمة في الكشف عنه ، فدليليّة هذه القضيّة باعتبار توسطها في اثبات حكم شرعي أو نفي حكم شرعي.
ثم انّ هنا أمورا أربعة يتحدد بها المراد من الدليل العقلي :
الأمر الأوّل : انّ المراد من المدركات العقليّة التي يرى الاصوليون انّ لها الدليليّة على الحكم الشرعي هي خصوص المدركات العقليّة القطعيّة ، وأمّا الظنيّة فهي خارجة عن مقصود الاصوليين أعني الاماميّة منهم.
وبهذا يتّضح انّ النزاع الواقع بين الاصوليين والاخباريين انّما هو في المدركات العقليّة القطعيّة ، وهو غير النزاع الواقع بين الإماميّة وبين أهل السنّة حيث ذهب كثير من أهل السنّة الى حجيّة الظنون العقليّة ، وهو ما يمنعه جميع الاماميّة دون استثناء ، وما وقع من بعض الإخباريين من نسبة القول بحجيّة الظنون العقليّة الى الاصوليين فهو ناشئ عن الغفلة عما هو مبنى الاصوليين في الدليل العقلي أو ناشئ عمّا وقع في بعض كلمات الاصوليين في مقام معالجة بعض المسائل الشرعيّة الفرعيّة ، إذ انّ بعض كلماتهم قد توهّم تبنّي الظنون العقليّة إلاّ انّ ذلك ناشئ عن الاشتباه في تطبيق كبرى حجيّة الدليل العقلي القطعي على صغرياته ، وليس ذلك بعزيز فقد يقع الاشتباه في تطبيق كبرى حجيّة الظهور مثلا إلاّ انّ ذلك لا يعني تبنّي القول بحجيّة المجمل.
وقد يكون منشأ هذه النسبة من بعض الإخباريين هو ما يراه بعضهم من تعذّر القطع بنتائج المدركات العقليّة وانّ أقصى ما ينتجه الدليل العقلي هو الظن بالحكم الشرعي إلاّ انّ ذلك بحث صغروي قد يتبنّاه بعض الاصوليّين أيضا.
الأمر الثاني : انّ المدركات العقليّة