وهذا النحو من الأدلّة المفتقرة الى الجعل والاعتبار هي الأدلّة الظنيّة والتي تكون درجة كشفها عن الواقع ناقصة. إذ من الواضح عدم صلاحيّة الدليل الظني لأن يقع وسطا في الإثبات أو يكون وسيلة للاحتجاج به على المدعى ، وذلك لعدم إحرازه للواقع.
نعم بواسطة الاعتبار يكون صالحا للدليليّة إلاّ انّ ذلك لا يعني صيرورته كاشفا تاما عن الواقع بالاعتبار ، وذلك لأنّ الشيء لا ينقلب عمّا هو عليه بمجرّد الجعل والاعتبار.
ثمّ انّ الأهلية التي يضفيها الجعل والاعتبار على الدليل الظني انّما تنشأ بسبب انّ الاعتبار تبان نفساني يتواطأ عليه العقلاء مثلا ، فيكون ذلك التباني ملزما لهم ، ولذلك يكون الدليل الظني الملزم لهم هو خصوص الدليل الذي وقع التباني على حجيّته دون الدليل الظني الذي لم يقع التباني منهم على حجيّته. وهذا بخلاف الدليل القطعي ، إذ انّ حجيّته ووسطيّته في الإثبات ذاتيّة ، فتكون صلاحيّته للاحتجاج به غير مفتقرة للتباني النفساني من العقلاء.
والمتحصّل ممّا ذكرناه انّ الحجيّة الثابتة لبعض الأدلّة الظنيّة تابعة للجعل والاعتبار ممّن له حقّ الاعتبار ، والكلام بعد ذلك يقع فيمن له حقّ الاعتبار.
والذي يهمّنا من هذا البحث هو تشخيص من له حقّ اعتبار الحجيّة للأدلّة الظنيّة المتصدّية للكشف عن الحكم الشرعي. فنقول :
انّ الذي عليه جمهور الاصوليّين هو انّ هذا الحقّ مختصّ بالشارع المقدّس ، فكلّ دليل ظني لم يجعل الشارع له الحجيّة فإنّه لا يصح ترتيب الأثر على مؤداه فلا يكون منجّزا لمتعلّقه كما لا يكون معذرا لو اتّفق منافاة مؤداه للواقع ، وذلك لأن مفروض الكلام انّ الذي يراد التعرّف عليه بواسطة الدليل الظني هو الحكم الشرعي فيكون حقّ اختيار الطريق المؤدي لذلك بيد الشارع ، فلا يصحّ