الاحتجاج على الشارع بما لا يرى له صلاحيّة لذلك كما لا يصحّ الاحتجاج على واحد من العقلاء بشيء لا يرى العقلاء صلاحيّته للاحتجاج به ، وذلك لما ذكرناه من انّ الحجيّة المجعولة تنشأ عن التباني النفساني ، وحينئذ تكون الحجيّة ثابتة على من قبل بذلك التباني أو من كان مسئولا عن قبوله ، فالحجيّة الثابتة بواسطة التباني العقلائي تكون ملزمة لكلّ واحد من العقلاء باعتبار وقوعه طرفا في ذلك التباني إمّا لقبوله به أو لكونه مسئولا عن قبوله. وأمّا ما كان خارجا عن التباني العقلائي فإنّه لا يصح الاحتجاج به على العقلاء ، وذلك لأنه حينئذ يكون إلزاما بما لم يلتزموا به.
وهذا الكلام ينسحب الى الأدلّة الظنيّة المتصدّية للكشف عن الأحكام الشرعيّة ، فإنّه لا يصحّ التعبّد بها والاحتجاج على الشارع بمؤداها ما لم يجعل الشارع لها الحجيّة ، إذ كيف يصحّ إلزامه بدليل لم يلتزم بحجيّته ودليليّته.
وأمّا ثبوت حقّ الاحتجاج للشارع بالأدلّة الظنيّة التي جعل لها الحجيّة فباعتبار حقّ المولويّة للمشرّع جلّ وعلا على عباده ، فكلّ واحد من العباد مسئولا عن ترتيب الأثر على الدليل الظني الذي اعتبر الشارع له الحجيّة ، ففي الوقت الذي لا يصحّ للعباد إلزام الشارع بالطرق الظنيّة التي لم يعتبر الشارع لها الحجيّة وان كانوا قد تبانوا على حجيّتها ، وذلك لعدم وقوعه طرفا في ذلك التباني في الوقت نفسه يكونون ملزمين بالتعبّد بالأدلّة الظنيّة التي جعل الشارع لها الحجيّة ، وذلك بمقتضى حقّ المولويّة للمشرع والتي هي من مدركات العقل العملي.
وبما ذكرناه يتّضح انّ الطرق الظنيّة المعتبرة بنظر العقلاء لا تكون صالحة للدليليّة على الحكم الشرعي ما لم تكن ممضاة من قبل الشارع ، كما اتّضح انّه لو اتّفق وجود دليل ظني غير معتبر بنظر العقلاء إلاّ انّه معتبر بنظر الشارع فإنّه يلزم التعبّد بمؤداه في موارد الكشف عن الحكم الشرعي.