النائيني رحمهالله ذكر انّ اعتبار الصحّة والفساد من الأحكام الوضعيّة لا يستقيم إلاّ بناء على انّ المراد منهما أحد معنيين :
المعنى الاوّل : انّ الصحيح هو ما كان واجدا للخصوصيّة التي ينتظر منه التوفّر عليها بحسب طبعه ، فعند ما يقال انّ هذا الطعام صحيح فمعناه انّه واجد للخصوصيّة التي ينتظر منه الاشتمال عليها ، أمّا لو كان فاقدا لهذه الخصوصيّة فإنّه يكون طعاما فاسدا ، فالتمر مثلا والذي شأنه الحلاوة والليونة بحسب طبعه لو كان فاقدا لهما ـ كأن كان مرا أو حشفا ـ لكان فاسدا ، ولو كان متوفرا عليهما لكان صحيحا ، وهكذا الكلام في مثل الصلاة ، فالصلاة الواجدة للخصوصيّة المقتضية للأمر بها وهي المصلحة والملاك تكون صحيحة ، وأمّا الصلاة التي لا تتوفّر على هذه الخصوصيّة تكون فاسدة.
والصحّة بهذا المعنى انّما تكون من دواعي الأمر وعلل جعله ، إذ انّها انّما تنتزع عن مقام ذات الشيء بقطع النظر عن تعلّق الأمر بذلك الشيء ، غايته انّ توفّر الشيء على الخصوصيّة التي يقتضيها طبعه يكون هو الداعي والسبب لأن يتعلّق به الأمر والمتحصّل انّ الصحّة والفساد بهذا المعنى لا يكونان من الأحكام الوضعيّة.
المعنى الثاني : انّ الصحيح هو مطابقة المأتي به للمأمور به أو مطابقة المأتي به للطبيعة المعتبرة ، والفاسد هو ما لا يكون كذلك ، فالصلاة الصحيحة هي الفرد المحقّق أو المقدّر والذي يكون مطابقا للمأمور به ، أي للطبيعة المجعولة ، والعقد الصحيح هو الفرد الخارجي الموافق للعقد الذي اعتبرت معه الملكيّة مثلا ، فالملكيّة هي الحكم وموضوعها طبيعة العقد ، فمتى ما كان الفرد الخارجي مصداقا لطبيعة العقد فإنّه يكون صحيحا ، وأمّا لو لم يكن مصداقا لطبيعة العقد فإنّه يكون فاسدا ، هذا ما أفاده المحقّق النائيني والسيّد الخوئي رحمهما الله.
إلاّ انّ صاحب الكفاية رحمهالله ادعى انّ الصحّة في العبادات تكون بمعنى