وبهذا لا يتأهّل الدوران الناشئ عن الاستقراء الناقص للكشف عن علّة ثبوت الحكم وانتفائه ، إذ لعلّ بعض الموارد التي لم نتحصّل عليها بالاستقراء تكون مانعة عن تحقّق الدوران ، ومن الواضح جدّا انّ الاستقراء في الشرعيّات دائما يكون ناقصا ، لأنّ المفترض هو الجهل بحكم هذه الموضوعات والتي يراد بواسطة الدوران الناشئ عن الاستقراء التعرّف على حكمها.
ففي المثال المذكور عثرنا بواسطة الاستقراء على بعض الموارد التي ثبت فيها وجوب الإعتداد وعثرنا كذلك على بعض الموارد التي كان وجوب الإعتداد منفيّا عنها وبقيت موارد لا ندري ما هو حكم الله تعالى فيها ، وحينئذ كيف نحرز الدوران مع احتمال انّه لو وصل إلينا حكم الله لكان مانعا عن ثبوت دوران وجوب الإعتداد وعدمه مدار الأهلية للحمل ، فلا سبيل لإحراز الدوران بعد اناطته بالاستقراء التام والمفترض عدمه ، إذ مع تماميّة الاستقراء لا تكون ثمّة فائدة للدوران واستنباط العلّة.
نعم مع الاستقراء الناقص يحصل الظنّ بالدوران إلاّ انّ الظنّ ساقط عن الاعتبار بلا ريب إلاّ أن يقوم دليل قطعي على اعتبار هذا النحو من الظنّ وإلاّ فالأصل في الظنّ هو عدم الحجيّة كما هو ثابت بالآيات والروايات والدليل العقلي القطعي ، إذ انّ نسبة فعل أو قول لأحد بمجرّد الظنّ قبيح ويشتد القبح حينما يكون الإسناد بغير علم للشارع المقدّس.
القسم الثاني : استنباط العلّة بواسطة المناسبات العقليّة ويعبّر عنها بتخريج المناط أي تعيينه ، ومورد هذا القسم هو أن نجد انّ الشارع جعل حكما على موضوع ولم يصرّح بالعلّة إلاّ انّ المناسبات العقليّة تقتضي أن تكون العلّة من ثبوت الحكم لموضوعه شيئا معيّنا ، وحينئذ يكون هذا الشيء المستنبط بواسطة المناسبات العقليّة صالحا لأن يستكشف به حكم موضوعات اخرى