والمقام من هذا القبيل ، إذ انّ الغرض من الإخبار عن انتفاء الرفث في الحجّ هو الكناية عن الإنشاء والنهي ، فالإخبار عن عدم وقوع الرفث من المتدين في الحجّ لازم لمطلوبيّة ذلك شرعا ، فالشارع أراد انشاء مطلوبيّة عدم ايقاع الرفث في الحجّ بواسطة الإخبار عن اللازم وهو عدم وقوع ذلك من المتدين ، إذ لا معنى لعدم صدور الرفث في الحجّ من المتدين إلاّ مطلوبيّة ذلك شرعا ، إذ مع عدم مطلوبيته لا يكون عدم وقوعه من المتدين ـ وبالتالي الإخبار عنه ـ مبرّرا.
وصدور ذلك من المؤمن أحيانا لا يلزم منه كذب الإخبار بعدم الوقوع ، وذلك لأنّ الإخبار لم يكن بقصد الحكاية وانّما هو بقصد الإنشاء ، والإخبار انّما هو وسيلة للتعبير عن الإنشاء.
كما انّ الثابت في بحث الكناية انّ مناط الصدق والكذب في الإخبارات المستعملة لغرض الكناية انّما هو مطابقة الملزوم للواقع وعدم مطابقته ، لا مطابقة اللازم ـ المخبر به ابتداء ـ للواقع وعدم مطابقته.
فقولنا « زيد كثير الرماد » لا يكون كذبا لو لم يكن في داره رماد أصلا إلاّ انّه كان كريما ، وذلك لأنّ المخبر عنه في هذه الجملة انّما هو كرم زيد ، والمفترض ثبوته واقعا ، هذا إذا كان ملزوم الجملة الكنائيّة هو الإخبار ، وأمّا إذا كان ملزومها الإنشاء فلا يتعقّل في موردها الكذب كما هو واضح.
المورد الثاني : أن يكون مساقها الإخبار عن انتفاء تحقّق الطبيعة في ضمن فرد ، ولكن لغرض نفي الحكم الثابت للطبيعة عن ذلك الفرد ، فليس الغرض من نفي شمول الطبيعة لفرد هو انتفاء ذلك الفرد عن الطبيعة تكوينا بل الغرض هو بيان انتفاء الحكم الثابت للطبيعة عن ذلك الفرد.
والمبرّر للتصدي لهذا النفي هو صدق الطبيعة على ذلك الفرد تكوينا ، فلو لا النفي لكان الحكم الثابت للطبيعة