الدليل الظنّي المحرز على المدلول الالتزامي بمستوى كاشفيّته عن المدلول المطابقي ، فلا مبرّر للتفريق بينهما من حيث الحجّيّة ، إذ أنّ الحجّيّة ثابتة لكلّ ما كشف عنه الدليل.
ويمكن صياغة الدليل بشكل آخر ، بأن يقال : إنّنا فرغنا في بحث سابق عن أنّ السبب الوحيد في جعل الحجّيّة للأمارة هو أنّ الأمارة كاشفة عن مفادها وليس للمولى أي ملاحظة لنوع الحكم الذي تكشف عنه الأمارة بل أنّ نظره مقتصر ـ في مقام جعل الحجّيّة للأمارة ـ على ما للأمارة من كاشفيّة عن الواقع.
ومن هنا يمكن أن نستظهر أنّ المولى حينما جعل الحجّيّة للأمارة جعلها لكلّ ما تكشف عنه الأمارة فلمّا كانت تكشف عن المدلول المطابقي والمدلول الالتزامي معا فهذا يعني أنّ المولى قد جعل الحجّيّة لكلا المدلولين إذ أنّ كلاّ منهما قد كشفت عنه الأمارة ، وبهذا يتّضح منشأ ذهاب المشهور إلى حجّيّة المدلولات الالتزاميّة لمطلق الأمارات.
المورد الرابع : ما إذا كان الدليل من قبيل الأدلة العمليّة المقرّرة لوظيفة المكلّف في ظرف الجهل بالحكم الواقعي. وهنا ذهب المشهور إلى عدم حجّيّة مدلولاتها الالتزامية ، فلذلك اشتهر عنهم « إنّ مثبتات الأصول ليست بحجّة » ويمكن أن نمثّل لذلك بقاعدة الفراغ المثبتة لصحّة العبادة في ظرف الشكّ في الصحّة إذا كان الشكّ قد وقع بعد الفراغ عن العبادة ، فإنّ هذه القاعدة لا تقتضي أكثر من الحكم بصحّة الصلاة مثلا المفروغ عنها ، إذ أنّ هذا هو مدلولها المطابقي ، ولقاعدة الفراغ في بعض الموارد مدلول التزامي ، فلو فرغ المكلّف من الصلاة ثمّ شكّ في صحتها من جهة أنّه هل كان متطهّرا عند ما دخل في الصلاة أم لا؟ فإنّ مقتضى قاعدة الفراغ هو الحكم بصحّة هذه الصلاة ، وهذا هو مدلول القاعدة المطابقي ، وللحكم بصحّة الصلاة مدلول التزامي وهو أنّه كان على طهارة حين دخل الصلاة إلاّ أنّ هذا المدلول الالتزامي غير حجّة ،