ومثاله : ما لو أدرك العقل انّ أحكام الله تعالى تابعة للمصالح والمفاسد ، ثمّ أدرك اشتمال فعل على مصلحة تامّة غير مزاحمة ، فهنا لا محالة يستكشف العقل وبواسطة البرهان اللمي ثبوت الحكم الشرعي.
وتلاحظون انّ إدراك العقل للمصلحة لا يتّصل بالعقل العملي ، كما انّ إدراكه لعلّيّة المصلحة للحكم الشرعي لا يتّصل كذلك بالعقل العملي ومع ذلك أمكن الوصول الى الحكم الشرعي ودون الحاجة الى انضمام مقدّمة شرعيّة ، ومن هنا ناسب أن يكون هذا المورد من المستقلاّت العقليّة.
المورد الثاني : وهو إدراك العقل لعلّية الحكم الشرعي لشيء ، فلو أدراك العقل بعد ذلك وجود معلول الحكم الشرعي لكان ذلك موجبا لاستكشاف الحكم الشرعي بواسطة البرهان الإنّي.
ومثاله : إدراك العقل لعلّيّة الحكم الشرعي لانعقاد السيرة المتشرعيّة ، أي انّ السيرة المتشرعيّة لا تنعقد على حكم لو لا تلقي ذلك عن الشارع ، فلو أحرزنا وجود سيرة متشرعيّة فإنّ ذلك معناه احراز معلول الحكم الشرعي ، ومع احراز معلول الحكم الشرعي نستكشف بواسطة الإن الحكم الشرعي.
وبيان آخر : لو أدرك العقل انّ صدور الحكم الشرعي هو علّة انعقاد السير المتشرعيّة ، وذلك بواسطة قانون حساب الاحتمالات ، فهذا معناه انّ السيرة المتشرعيّة معلولة للحكم الشرعي المتلقى عن المعصوم ، وحينئذ لو اتّفق إحراز سيرة متشرعيّة على شيء فإنّه يمكن بضمّ كبرى علّيّة الحكم الشرعي لانعقاد السيرة المتشرعيّة الى السيرة المحرزة فعلا يمكن استنتاج الحكم الشرعي ، وهذا هو البرهان الإنّي والذي هو عبارة عن استكشاف وجود العلّة بواسطة وجود المعلول ، فنحن حينما أحرزنا وجود المعلول والذي هو السيرة المتشرعيّة أحرزنا بذلك