والمعقولات الأوليّة هي المفاهيم المنعكسة عن الخارج ابتداء ومباشرة ، أي هي صور الأعيان الواقعيّة التي تحضر للذهن بواسطة الحسّ الأعم من الحسّ الظاهري كالرؤية والسمع أو الحسّ الباطني كما هو الحال في مفهوم الخوف والحبّ والبغض ، فإنّها مفاهيم وصور ذهنيّة كليّة منعكسة عما هو موجود في النفس بواسطة الحسن الباطني.
وبما ذكرناه يتّضح انّ المعقولات الأوليّة ينحصر تحصيلها بواسطة الاتّصال المباشر بين الذهن والواقع عبر المدارك الحسيّة الظاهريّة والباطنيّة ، غايته انّ الوجودات الخارجيّة عند ما تنعكس صورها الى الذهن يقوم الذهن بعد ذلك امّا بعمليّة تجريدها عمّا به الامتياز ويحتفظ بما به الاشتراك ، وعندها يتحصّل الذهن بواسطة هذه العمليّة على مفهوم كلّي بمعنى انّ الذهن يقوم بعمليّة تحليل ذلك الموجود الخارجي المتلقى بواسطة الحواس فيلغي عنه تمام مشخّصاته ويتحفّظ على القدر المشترك فيتحصّل بذلك على مفهوم كلّي.
هذا ما نسب الى ابن سينا والخواجة نصير الدين الطوسي رحمهما الله ، أو انّ الذهن عند ما يتلقى صور الأشياء عن الخارج يحتفظ بصورها الحسيّة ثمّ يمرّ بها عبر مراحل ثلاث أو أربع ـ كما قيل ـ حتى يصل بها الى مرحلة يعبّر عنها بالإدراك العقلي ، وعندها تصبح مفهوما كليّا ، وهذا هو المنسوب لصدر المتألّهين رحمهالله.
وكيف كان فالمعقولات الأوليّة مفاهيم كليّة منعكسة عن الواقع الخارجي ، وليس ثمّة طريق لتحصيلها سوى الحواس الظاهريّة أو الباطنيّة.
وحتى يتّضح المراد من مبنى ابن سينا وملاّ صدرا رحمهما الله في كيفيّة تحول الأعيان الخارجيّة المنعكسة عن الخارج الى مفاهيم كليّة في الذهن نذكر هذا التطبيق :
انّه عند ما يقع نظرنا على زيد فإنّ صورته تنعكس بواسطة النظر الى الذهن ، وعندئذ يقوم الذهن ـ بنظر