أو تكون مستفادة عن معرفة المناطات والملاكات التي يعوّل عليها المولى في جعل الأحكام لموضوعاتها ، كقوله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ ) ، فإنّ موضوع الحرمة له حيثيّات كثيرة ، كالنظر واللمس والتكلّم وهكذا ، إلاّ أنّ العرف لمّا كان مطّلعا على محبوبيّة الشارع للنظر إلى الأمّ برحمة ، ومحبوبيّة خدمتها المستلزمة للمسها والتحدّث معها وهكذا سائر الحيثيّات ، فإنّ العرف إمّا أن يكون مطّلعا على مطلوبيّتها أو عدم مبغوضيّتها ، أو يكون مطّلعا على مبغوضيّتها إلاّ أنّها ليست خاصّة بعنوان الأمّ ، كلّ ذلك أوجب استظهار أنّ الحيثيّة التي انصبّ عليها الحكم بالحرمة هي حيثيّة النكاح.
وبهذا يتّضح أنّ مناسبات الحكم والموضوع تنشأ عن قرائن خاصّة إلاّ أنّها ليست من قبيل القرائن اللفظيّة بل هي من قبيل القرائن الحاليّة أو المقاميّة.
ولمزيد من التوضيح نذكر بعض التطبيقات :
التطبيق الأوّل : لو قال المولى : « اغسل ثوبك من دم ذي النفس السائلة » ، فإنّ العرف يلغي خصوصيّة الثوب ويرى أنّ الحكم بالنجاسة ثابت لمطلق الملاقي للدم ، وإنّما ذكرت الثوب لغرض التمثيل لمطلق الملاقي للدم.
وهذا التعميم المستظهر عرفا من المثال نشأ عن مناسبات الحكم والموضوع ، فإنّ المثال وإن لم يصرّح فيه بالحيثيّة الملحوظة في الموضوع حين جعل الحكم عليه إلاّ أنّ استبعاد العرف وجود خصوصيّة للموضوع المذكور في الخطاب أوجب استظهار كون الحيثيّة المذكورة في الموضوع المذكور هي التمثيل.
ومنشأ استظهار المثاليّة واستبعاد الخصوصيّة هو ظهور الخطاب في أنّ الأثر الشرعي للدم هو التنجيس ، وإذا كان كذلك فأيّ فرق بين الثوب وبين سائر ما يلاقيه الدم.
التطبيق الثاني : قوله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ) فإنّ العرف