المسلمين في امكان النسخ بل وقوعه في الشريعة المقدّسة ، والمقصود من الإمكان هنا هو الإمكان الوقوعي ، بمعنى انّه لا يلزم من فرض وجود النسخ في الشريعة محذور عقلي ، فما ذهب إليه اليهود والنصارى من استحالة وقوع النسخ في الشريعة غير تامّ كما سيتّضح ان شاء الله تعالى.
ولا يبعد انّ دعوى الاستحالة منهم نشأت عن حرصهم على التحفّظ على دينهم وانّه لم يطرأ عليه النسخ ، وإلاّ فلا معنى للقول باستحالته بعد ان اتّضح ما هو المراد منه وانّه عبارة عن ارتفاع الحكم بانتهاء أمده ، إذ انّ الأحكام كما هو واضح تابعة للمصالح والمفاسد في متعلّقاتها ، وحينئذ يكون الحكم محدودا بحدود الملاك الكامن في متعلّقه ، ومتى ما انتفى ذلك الملاك فإنّه لا مبرّر لبقاء الحكم ، غايته انّ المولى جلّ وعلا قد يصرّح بالحدّ الذي ينتهي معه أمد الحكم وقد لا يصرّح بذلك لمصلحة قد لا تكون مدركة عندنا.
فالنسخ ليس بمعنى توهّم وجود مصلحة في متعلّق الحكم ثمّ انكشاف عدمها وعليه يتصدى لرفع الحكم فيكون ذلك مستوجبا لنسبة الجهل اليه تعالى ، كما انّه ليس بمعنى رفع الحكم اعتباطا وجزافا رغم اشتماله على الملاك الموجب لبقاء الحكم فيكون ذلك مستوجبا لنفي الحكمة عن الحكيم جلّ وعلا.
ولمزيد من التوضيح نقول : انّ الأحكام لما كانت تابعة للمصالح والمفاسد في متعلّقاتها فإنّ من الممكن جدا أن يكون لزمن معيّن دخل في ثبوت المصلحة أو المفسدة وانّ انقضاءه يكون مقتضيا لانتفاء المصلحة أو المفسدة عن ذلك المتعلّق وإلاّ فما معنى أن يكون يوم السبت هو اليوم الذي يحرم فيه الصيد على اليهود وما معنى أن يكون يوم الأحد هو اليوم الذي تجب فيه الصلاة على النصارى ، وما معنى أن يكون التيه المفروض على بني اسرائيل أربعين سنة كلّ ذلك يعبّر عن انّه قد يكون