فإنّه ينتزع عن ذلك مانعيّة وجود ذلك الشيء في متعلّق التكليف.
فحينما يقول المولى : « صلّ عن طهارة » انتزع عن ذلك شرطيّة الطهارة في الصلاة والتي هي متعلّق الأمر بالصلاة ، ولو قال : « لا تصلّ فيما لا يؤكل لحمه » انتزع عن ذلك مانعيّة اللباس ـ المتّخذ من غير مأكول اللحم ـ لمتعلّق التكليف.
المبنى الرابع : وهو التفصيل الذي ذكره صاحب الكفاية رحمهالله ، وحاصله : انّ الأحكام الوضعيّة على ثلاثة أقسام :
القسم الأوّل : ما لا تنالها يد الجعل لا استقلالا ولا تبعا.
القسم الثاني : ما لا يمكن جعلها إلاّ بواسطة جعل منشأ انتزاعها.
القسم الثالث : ما يمكن جعلها استقلالا كما يمكن جعلها بواسطة جعل منشأ انتزاعها.
أمّا القسم الثاني والقسم الثالث فقد اتّضح المراد منهما ممّا تقدّم ، وأمّا القسم الاوّل وهو الحكم الوضعي الذي يستحيل جعله واعتباره مطلقا ـ أي سواء كان بنحو الجعل الاستقلالي أو التبعي ـ فهو كالسببيّة والشرطيّة والمانعيّة والرافعيّة ، فإنّ مثل هذه الأحكام منتزعة عن الخصوصيّة التكوينيّة الذاتيّة الناشئة عن مقام ذات السبب أو الشرط أو المانع.
فهذه الخصوصيّة هي الموجبة واقعا للربط بين السبب مثلا ومسبّبه ، ولو لا هذه الخصوصيّة لأثّر كلّ شيء في كلّ شيء ، وهو ما لا يمكن الالتزام به لوضوح فساده ، فكما انّ تأثير النار للحرارة ناشئ عن الخصوصيّة الذاتيّة القائمة بذات النار وانّه يستحيل جعل هذه الخصوصيّة واعتبارها ، إذ انّ اعتبار نفس الخصوصيّة الواقعيّة يكون من تحصيل الحاصل ، واعتبار غيرها لا يوجب انقلاب الواقع عمّا هو عليه وإلاّ لأثّر كلّ شيء في كلّ شيء بواسطة الاعتبار.
وهذا ما يعبّر عن انّ سببيّة دلوك الشمس مثلا لوجوب الصلاة ومانعيّة الحيض عن وجوب الصلاة ممّا لا يمكن جعله واعتباره ، بل انّ سببيّة