فسأله وأنا عنده فقال له جعلت فداك رأيت قوله عز وجل : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا » في غير مكان من مخاطبة المؤمنين أيدخل في هذا المنافقون قال نعم يدخل في هذا المنافقون والضلال وكل من أقر بالدعوة الظاهرة
______________________________________________________
وقد ذكر وجوه آخر وأورد على ما ذكرنا اعتراضات ، وأجيب عنها بأجوبة تركنا إيرادها مخافة الإطناب.
واحتج القائلون بأنه من الملائكة بوجهين.
الأول : إن الله تعالى استثناه من الملائكة ، والاستثناء يفيد إخراج ما لولاه لدخل ، وذلك يوجب كونه من الملائكة.
وأجيب بأن الاستثناء هيهنا منقطع ، وهو مشهور في كلام العرب كثير في كلامه تعالى ، وأيضا فلأنه كان جنيا واحدا بين الألوف من الملائكة غلبوا عليه في قوله : « فَسَجَدُوا » ثم استثنى هو منهم استثناء واحد منهم ، وقد كان مأمورا بالسجود معهم ، فلما دخل معهم في الأمر جاز إخراجه باستثناء منهم.
والثاني : إنه لو لم يكن من الملائكة لما كان قوله تعالى : « وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا » (١) متناولا له فلا يكون تركه للسجود إباء واستكبارا ومعصية ، ولما استحق الذم والعقاب فعلم أن الخطاب كان متناولا له ، ولا يتناوله الخطاب إلا إذا كان من الملائكة.
وأجيب : بأنه وإن لم يكن من الملائكة إلا أنه نشأ معهم ، وطالت خلطته بهم ، والتصق بهم فلا جرم تناوله ذلك الخطاب.
وأيضا يجوز أن يكون مأمورا بالسجود بأمر آخر ، ويكون قوله تعالى : « ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ » (٢) إشارة إلى ذلك الأمر.
أقول : هذا الخبر من الأخبار التي تدل على المذهب الأول والأخبار الدالة
__________________
(١) سورة الكهف ٥٠.
(٢) سورة الأعراف : ١٢.