عن تناول ما هو أحق به من العظمة والكبرياء وربما استحلى الناس الثناء بعد البلاء فلا تثنوا علي بجميل ثناء لإخراجي نفسي إلى الله وإليكم من البقية في حقوق
______________________________________________________
قوله عليهالسلام : « وربما أستحلي الناس » يقال : استحلاه : أي وجده حلوا.
قال ابن ميثم (ره) : هذا يجري مجرى تمهيد العذر لمن أثنى عليه ، فكأنه يقول : وأنت معذور في ذلك حيث رأيتني أجاهد في الله ، وأحث الناس على ذلك ، ومن عادة الناس أن يستحلوا الثناء عند أن يبلوا بلاء حسنا في جهاد أو غيره من سائر الطاعات ، ثم أجاب عن هذا العذر في نفسه. بقوله عليهالسلام : « ولا تثنوا علي بجميل ثناء » أي لا تثنوا علي لأجل ما ترونه مني من طاعة الله ، فإن ذلك إنما هو إخراج لنفسي إلى الله من حقوقه الباقية علي لم أفرغ بعد من أدائها وهي حقوق نعمه وفرائضه التي لا بد من المضي فيها ، وكذلك إليكم من الحقوق التي أوجبها الله علي من النصيحة في الدين ، والإرشاد إلى الطريق الأفضل ، والتعليم لكيفية سلوكه ، وفي خط الرضي (ره) « من التقية » بالتاء والمعنى فإن الذي أفعله من طاعة الله إنما هو إخراج لنفسي إلى الله وإليكم من تقية الحق فيما يجب علي من الحقوق ، إذ كان عليهالسلام إنما يعبد الله لله من غير ملتفت في شيء من عبادته وأداء واجب حقه إلى أحد سواه ، خوفا منه أو رغبة إليه ، وكأنه قال : لم أفعل شيئا إلا وهو أداء حق واجب على ، وإذا كان كذلك فكيف أستحق أن يثني علي لأجل إتيان الواجب بثناء جميل ، وأقابل بهذا التعظيم ، وهذا من باب التواضع لله وتعليم كيفيته ، وكسر النفس عن محبة الباطل والميل إليه انتهى (١).
وقال ابن أبي الحديد : معنى قوله عليهالسلام : « لإخراجي نفسي إلى الله وإليكم » أي لاعترافي بين يدي الله وبمحضر منكم أن علي حقوقا في إيالتكم ورئاستي عليكم لم أقم بها بعد ، وأرجو من الله القيام بها انتهى (٢).
__________________
(١) شرح نهج البلاغة لابن ميثم ، ج ٤ ص ٤٦ ـ ٤٧.
(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ١١ ص ١٠٧.