فعلي إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني فإنما أنا وأنتم عبيد مملوكون لرب لا رب غيره يملك منا ما لا نملك من أنفسنا وأخرجنا مما كنا فيه إلى ما صلحنا عليه فأبدلنا بعد الضلالة بالهدى وأعطانا البصيرة بعد العمى.
فأجابه الرجل الذي أجابه من قبل.
فقال أنت أهل ما قلت والله والله فوق ما قلته فبلاؤه عندنا ما لا يكفر وقد حملك
______________________________________________________
لهم على الانبساط معه بقول الحق ، وعد نفسه من المقصرين في مقام العبودية ، والإقرار بأن عصمته من نعمه تعالى عليه ، وليس أنه اعترافا بعدم العصمة كما توهم بل ليست العصمة إلا ذلك ، فإنها هي أن يعصم الله العبد عن ارتكاب المعاصي ، وقد أشار عليهالسلام إليه بقوله : « إلا أن يكفي الله » وهذا مثل قول يوسف عليهالسلام : « وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي » (١).
قوله عليهالسلام : « ما هو أملك به مني » أي العصمة عن الخطإ ، فإنه تعالى أقدر على ذلك للعبد من العبد لنفسه.
قوله عليهالسلام : « مما كنا فيه » أي من الجهالة وعدم العلم والمعرفة والكمالات التي يسرها الله لنا ببعثه الرسول صلىاللهعليهوآله.
قال ابن أبي الحديد : ليس هذا إشارة إلى خاص نفسه عليهالسلام ، لأنه لم يكن كافرا فأسلم ، ولكنه كلام يقوله ويشير به إلى القوم الذين يخاطبهم من أفناء الناس فيأتي بصيغة الجمع الداخلة فيها نفسه توسعا ، ويجوز أن يكون معناه : لو لا ألطاف الله تعالى ببعثة محمد صلىاللهعليهوآله لكنت أنا وغيري على مذهب الأسلاف انتهى (٢).
قوله : « فبلاؤه عندنا لا يكفر » أي نعمته عندنا وافرة ، بحيث لا نستطيع كفرها وسترها ، أو لا يجوز كفرانها وترك شكرها.
__________________
(١) سورة يوسف : ٥٣.
(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ١١ ص ١٠٨.