متكلفا أن أسألكم ما لستم بأهله فقال المنافقون عند ذلك بعضهم لبعض أما يكفي محمدا أن يكون قهرنا عشرين سنة حتى يريد أن يحمل أهل بيته على رقابنا فقالوا ما أنزل الله هذا وما هو إلا شيء يتقوله يريد أن يرفع أهل بيته على رقابنا ولئن قتل
______________________________________________________
وقال الشيخ الطبرسي رحمهالله في الرابعة : « ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ » أي على تبليغ الوحي والقرآن والدعاء إلى الله سبحانه « مِنْ أَجْرٍ » أي مال تعطونيه « وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ » لهذا القرآن من تلقاء نفسي ، وقيل : معناه إني ما آتيتكم رسولا من قبل نفسي ، ولم أتكلف هذا الإتيان بل أمرت به ، وقيل : معناه لست ممن يتعسف في طلب الأمر الذي لا يقتضيه العقل (١) انتهى.
أقول : يظهر لك بعد التأمل أن ما ذكره عليهالسلام أظهر الوجوه لفظا ومعنى قوله تعالى : « أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى » هذه الآية بعد آية المودة « وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ أَمْ يَقُولُونَ ».
قال البيضاوي : بل أيقولون « افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً » افترى محمد بدعوى النبوة أو القرآن « فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ » استبعادا للافتراء عن مثله ، بالإشعار على أنه إنما يجترئ عليه من كان مختوما على قلبه ، جاهلا بربه فأما من كان ذا بصيرة ومعرفة فلا وكأنه قال : إن يشأ الله خذلانك يختم على قلبك لتجترئ بالافتراء عليه وقيل : يختم على قلبك يمسك القرآن والوحي عنه ، أو يربط عليه بالصبر فلا يشق عليك أذاهم « وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ » واستئناف لنفي الافتراء عما يقوله ، بأنه لو كان مفترى لمحقه إذ من عادته تعالى محق الباطل ، وإثبات الحق بوحيه أو بقضائه أو بوعده بمحق باطلهم ، وإثبات حقه بالقرآن أو بقضائه الذي لا مرد له (٢) انتهى.
__________________
(١) مجمع البيان : ج ٨ ص ٤٨٦.
(٢) أنوار التنزيل : ج ٢ ص ٣٥٧.