ولا يقاس الواجب الذي تعذّر بعض محتملاته بالحرام الذي اضطرّ إلى ارتكاب بعض محتملاته ، حيث التزمنا في تلك المسألة بأنّ الاضطرار إذا تعلّق ببعض معيّن قبل أن يعلم إجمالا بحرمة شيء مردّد بين ما اضطرّ إليه وغيره ، جاز له ارتكاب ذلك الغير أيضا ؛ للفرق بين المقامين ؛ فإنّ إحراز الموضوع في المحرّمات الشرعيّة شرط في تنجّز التكليف بالاجتناب عنها ، فلا يجب على المكلّف الاجتناب عن الخمر ـ مثلا ـ في مرحلة الظاهر إلّا بعد أن علم بخمريّته ، فوجوب الاجتناب عن الخمر في مرحلة الظاهر من آثار هذا العلم ، لا العلم بأنّ الخمر محرّمة في الشريعة ، فلا بدّ أن يكون هذا العلم صالحا للتأثير بأن يكون ـ على تقدير كونه إجماليّا ـ كلّ واحد من أطراف الشبهة على وجه لو علم بكونه هو ذلك الحرام لتنجّز في حقّه الأمر بالاجتناب عنه بأن يعلم بكون ذلك الشيء بالفعل في حقّه حراما بحيث لو علمه بالتفصيل لوجب عليه التجنّب عنه ، فمتى اضطرّ إلى واحد معيّن قبل أن يعلم إجمالا بحرمة بعضها ، لا يؤثّر علمه الإجمالي في إحراز تكليف منجّز ؛ لتردّد المعلوم بالإجمال بين هذا الشيء المعلوم إباحته بالفعل تفصيلا بواسطة الاضطرار سواء كان خمرا في الواقع أم لم يكن ، وبين الطرف الآخر الذي يشكّ في خمريّته.
وهذا بخلاف ما نحن فيه ؛ فإنّ تنجّز التكليف بالصلاة إلى القبلة أو مع الوضوء أو في ثوب طاهر ليس من آثار العلم بجهة القبلة إجمالا أو تفصيلا ، أو بكون أحد المائعين ماء مطلقا ، أو أحد الثوبين طاهرا ، بل من آثار العلم بأصل التكليف ، أي بوجوب صلاة مقيّدة بهذه القيود في الشريعة ، فإنّه متى علم المكلّف