في رفع اليد عن الخطاب المتوجّه إليه ، فمن كان عاجزا في الواقع معذور في مخالفة التكليف ، دون من لم يكن كذلك ، فإنّ من الواضح أنّه لا يجوز رفع اليد عن الخطاب المتوجّه إلى المكلّف بمجرّد احتمال كونه معذورا في مخالفته ، بل يجب عقلا السعي في الخروج عن عهدته ما لم ينكشف العجز رعاية لاحتمال القدرة الموجبة لجواز المؤاخذة على مخالفته تفصّيا عن العقاب المحتمل.
وإن شئت قلت : إنّ من كان عاجزا في الواقع عن أداء الواجب يراه العقل معذورا في مخالفته ، فهو خارج عن زمرة المكلّفين بهذا الفعل ، وإن شمله إطلاق دليله أو عمومه ، فالإطلاق أو العموم مخصّص بالنسبة إليه ، لكن لا على وجه يكون للمخصّص عنوان عامّ حتّى يقال عند الشكّ في كون شخص قادرا أو عاجزا : إنّ دخوله في عنوان العامّ ليس بأولى من اندراجه تحت المخصّص بالنظر إلى ظاهر الدليل ، فإنّ العقل لا يحكم بخروج من عجز عن الامتثال بلحاظ اندراجه تحت مفهوم العاجز ، بل بلحاظ كونه بذاته غير قابل لأن يتوجّه عليه التكليف بواسطة عجزه ، فالخارج عن تحت أدلّة التكاليف إنّما هو مصداق العاجز ، لا مفهومه ، فكلّ فرد فرد من مصاديق العاجز تخصيص مستقلّ ، فمتى شكّ في عجز شخص يشكّ في تخصيص الحكم بالنسبة إليه ، فيجب التمسّك حينئذ بأصالة العموم أو الإطلاق إلى أن يعلم بالتخصيص ، أعني عجزه.
والحاصل : أنّ تعذّر بعض الأطراف لا يوجب بنظر العقل إلّا معذوريّته في مخالفة الواجب على تقدير مصادفته لما تعذّر ، لا معذوريّته في ترك امتثاله على تقدير حصوله بما تيسّر فعله.